Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/05/2008 G Issue 13005
الاربعاء 02 جمادى الأول 1429   العدد  13005
في حي الغبيرة
د. فوزية عبد الله أبو خالد

على رغم عاصفة الغبار التي ثارت عصر يوم الخميس الماضي وأثربت عيوننا وأثارت حساسية الربو عند عدد لا بأس به منا، فقد كنت محظوظة أن قمت بتلبية دعوة كريمة لأكون بمنطقة الغبيرة في ذلك الوقت فأغتسل باحتفائية الحدث من ذلك الغبار المناخي الذي عادة ما يكون على أشده في حي الغبيرة.

وقد كانت الدعوة في قصر أفراح ومع أنه علي أن أوضح أن الدعوة لم تكن لحضور زواج أو حفل زفاف كما قد يبدو بديهيا لإقامة حفل في قصر أفراح إلا أنه قبل أن أعرض للمناسبة الاحتفائية التي حملتني على أجنحة من الأشواق المعرفية إلى حي الغبيرة فإنني سأؤجل الحديث فيها من باب التشويق ربما لأتوقف بكم طويلا في حي الغبيرة حيث كان هذا الحي العريق هو المستهدف بتلك المناسبة المميزة التي أخالها الأولى في تاريخ هذا الحي.

وحي الغبيرة للقلة التي قد لا تعرف أحواله من القراء هو أحد أحياء مدينة الرياض الجميلة والنبيلة مما يمكن أن يضم إلى سلسلة ما يعرف (سعوديا) بأحياء الدخل المحدود. وهو يعتبر بخارطته الاجتماعية وبأوضاعه الاقتصادية وبالحالة المعيشية الرقيقة للعديد من قاطنيه تعبيراً بامتياز عما يسمى في الدرسات السكانية والسيسيولوجية بالأحياء الشعبية التي تمثل عادة قلب المدن الكبرى النابض بتعددها السكاني من ناحية وبما تمور به من أحلام وإحباطات وإشكاليات ومطالب وتحديات من ناحية أخرى. ولذا فمثل هذه الأحياء تشكل في الخطط التنموية للمجتمعات النامية خاصة, )تارمومتر) أو ميزان لقياس درجة نجاح أو تعثر مشاريع التنمية وأوجه كفايتها أو قصورها في تصحيح أوضاع الناس التنموية وفي تمكينهم من التحول من قوى هامشية يعطلها الجهل أو الفقر أو الإهمال إلى قوى اجتماعية فاعلة تستفيد وتفيد المجتمع باستثمار طاقاتها وتأهيلها. كما أن مواقف مثل هذه الأحياء كثيرا ما تؤخذ في الدراسة التنموية للحواضر كمقياس إحصائي لدرجة الرضى أو السخط ودرجة التقبل أو الرفض ودرجة الانسجام أو التنافر مع ما تطرحه هذه المشاريع من أنماط تنموية من خلال الوقوف على طبيعة التفاعل السكاني معها ومن خلال الوقوف على المحصلة العملية لعملية التنمية والاستثمار في هذه الأحياء أي مدى التغير النوعي (تنمويا) في حياتها. وهذا قد يتحدد في ضوء مدى الحصول على إجابات إيجابية على بعض الأسئلة القياسية مثل سؤال هل أدت الاستثمارات التنموية في هذه الأحياء (غير وجود مطاعم مكدونالدز وسوبر ماركت بنده) إلى تحسين شروط المواطنة بحيث يشعر كل فرد بأهميته وبدوره كمواطن له حقوق وعليه واجبات بما يصحح الإحساس المتعارف عليه عادة بأنه مجرد (عود في طرف حزمة) أو (راس في قطيع)، هل قوت حس الانتماء وولدت حس المبادرة ونمت الإحساس بالمسؤولية بحيث يحس الفرد بأن لوجوده كمواطن وزن وبأن لحبه لوطنه قيمة وبأن لفعله وتحمله المسؤولية مردود ذاتي واجتماعي بما يصحح بعض تلك الأحاسيس الانسحابية المبررة عادة بقول (أنه ليس من شأني أن أصلح الكون) أو مهما فعلت فأن الفعل لن ينطبق عليه أكثر من قول (من يدري عنك ياللي في الظلام تغمز) هل حسنت العلاقات الاجتماعية وأنماط السلوك الفردي والجمعي داخل الأسرة وداخل البيئة الاجتماعية العامة، هل استبدلت القيم والعادات المعيقة والمستهلكة والتي ما أنزل الله بها من سلطان وليس لها إلا سلطة العرف والتقاليد التي قد لا تصلح للزمان الحاضر بقيم وعادات تلبي الحاجات المستجدة دون إخلال بمنظومة الأخلاق النبيلة ودون مصادرة إمكانية التجديد القيمي مثل قيمة العمل، قيمة المشاركة, قيمة الالتزام الأسري, هل أدت إلى استبدال التشدد الديني التعصبي بالتفقه الديني الرشيد والمستنير هل غيرت بعض أنماط الشخصية التسولية والتذللية والتواكلية أو الاستقوائية والعصابية بشخصية توكلية تسعى على شؤونها بدأب وكرامة. هل غيرت موازين العلاقات الاجتماعية بين المرأة والرجل مثلا لتكون أكثر عدلا وأكثر تكافؤا وكذلك بين الأسرة والأبناء - أطفالا ومراهقين وشباب لتكون أقل استعلاء وأقل (تأمراً) ووعظية من طرف الآباء وأقل استخفافاً أو أقل تذبذبا بين العصيان وبين الطاعة العمياء من طرف الأبناء لتصير أكثر احتراما ورحمة وحوارا بين الأبناء والأمهات والأباء. هل استبدلت العطالة بتوفير المهارات وفرص العمل والتسرب من المدارس والتردي في الأمراض بإلزامية التعليم وبالأمن الصحي, هل حالت بين النساء والأطفال وبين حالات العنف بالأمان الأسري والبيئي والاجتماعي.

لقد ذكرتني بهذه الأسئلة وسواها من الأسئلة المتخصصة في مجال الدراسات الاجتماعية بحكم تخصصي ربما تلك الساعات الحميمة التي قضيتها في حي الغبيرة لحضور تلك المناسبة الاحتفائية في قصر الأفراح التي أشرت إليها في مطلع المقال.

كانت المناسبة يوم احتفائي للأسرة - المرأة والأطفال لخمسين أسرة من الأسر التي تقوم على خدمتها جمعية النهضة الخيرية بهذا الحي. وقد كان اللقاء لقاء ودي تثقيفي وترفيهي للأمهات والبنات والأطفال ببرامج متنوعة حسب العمر وقد انخرط في الإعداد لبرامجه التثقيفية والترفيه حسب الفئة العمرية للضيوف من الأسر جيش من الشابات المتطوعات من المهتمات بالشأن التنموي والتطويري داخل وخارج الجمعية. وكان اللقاء ما هو إلا حلقة في سلسلسة مجموعة من الأنشطة التنموية الهادفة في الحملة الوطنية التي تجري مبادرتها لأول مرة والتي جاءت بعنوان (الحملة التوعوية بمخاطر العنف) كما جاءت تحمل شعار (لنحميهم لا نؤذيهم) وبشراكة بين جمعية النهضة وجمعية الأمان الأسري وتعاون عدة جهات مدنية وحكومية أخرى منها رعاية الشباب ووزارة التربية والتعليم . ويهمني هنا أن يشاركني القراء في الوقوف على سلسلة برامج الحملة وهي:

1 - برنامج رياضي للأولاد يقام في مدرسة من مدارس الحي وتجري التوعية الاجتماعية بمخاطر العنف بأساليب متنوعة من داخل المشاركة الرياضية وقد وجدت البرنامج مناط بشاب مليء بالطموح والإخلاص الوطني من خريجي جامعة الأمام محمد بن سعود. وفي هذه النقطة طالب عدد من الأمهات ممن التقيت بأن يكون هناك اهتمام دائم وليس موسمي بتوعية الرجال والشباب وتكون هناك جهات أهلية أو حكومية تقوم أو الاثنتان معا بتقديم خدمات أحياء لهم بشكل يوازي ما تقدمه مثلا جمعية النهضة التي حسب طبيعتها لا تتوجه بخدماتها إلا للنساء والرجال.

2 - برنامج مدرسي يقام صباح كل أربعاء لمدة الحملة - شهر في مدارس البنات بالحي ويستهدف توعية الطالبات والمعلمات بمضار العنف الأسري وأساليب تجنبه ومقاومته.

عن طريق إقامة دورات تدريبية بهذا الشأن.

3 - برنامج العيادات المنزلية وتفتح هذه العيادات المقامة في الحي أبوابها صباح مساء خمسة أيام في الأسبوع لاستقبال حالات العنف التي تتطلب تدخل علاجي طبي، نفسي واجتماعي كما تقدم الاستشارات بهذا الخصوص.

4 - ورش عمل تقوم بالتوعية في مجال العلاقات الأسرية، أساليب الحوار، التمكين الأسري والاجتماعي للمرأة.

5- برنامج تثقيفي خاص بالأطفال ويشتمل على عدة وحدات تؤصل لمفاهيم الاحترام الاجتماعي والمشاركة واحترام الذات لدى المواطن من عمر الطفولة، ومنها: أنا محترم، أنا نظيف، أنا مواطن، أنا أحب وطني، أنا حر، أنا أحب أسرتي، أنا لي حقوق وأنا علي واجبات. ومن جمال هذه الوحدات التثقيفية أيضا أنها تقدم بمسرحيات ونشاطات وبأسلوب ترفيهي خالٍ من الوعظ لا يعتمد التلقين بل يعتمد أساليب مدهشة وجديدية من الحوار والمرح.

فتحية تضامن وحب لحي الغبيرة وخاصة للنساء الرائعات والبنات اللاتي التقيت. وتحية لجمعية النهضة الخيرية ولجنة الأمان الأسري ولجيش المتطوعين والمتطوعات في حب الوطن. و مع الاعتذار لمن فاتني ذكرهم من أسماء مضيئة فإن منهم: د. لانا السعيد، د. مها المنيف، د.ظلال مداح, د. الجوهرة سعود, أ. أسما البنيان, أ. أمل الدوسري، الجوهرة الزامل, مجيدة الناجم, أ. نجات الصفحي، د. نوال العيبان, د.فوزية الراشد, أ. جميلة العمري, ميسون العواد, د. عبدالمجيد طاش أ. مشعل السيحاني, د. ماجد العيسى وراعية افتتاح الحملة الأميرة حصة بنت سلمان.

ولا أنسى أن أقول إننا بحاجة لتوسيع التجربة وتعميمها على الأحياء بعد تقويم التجربة وتعزيز إيجابياتها ونقد أي سلبيات في التطبيق بشكل موضوعي على أمل ألا تبخل الدولة ممثلة بوزارة الشؤون الاجتماعية أو وزارة المالية شخصيا بتوفير مبنى واف يكون بمثابة مركز تقام فيه اللقاءات وورش العمل والتدريب في الأحياء معد بشكل معماري ملائم لنشاطات مثل هذه الأعمال التنموية والتوعوية في الأحياء بدل الالتجاء لاستئجار قصور الأفراح. وهذا ليس إلا مطلب واحد من سلسلة مطالب وتحديات استلهمتها من اللقاء سأعود إليها فيما بعد مع شكر د. الجازي الشبيكي على هذه الدعوة التي ربطتنا جميعا بتراب الوطن بالمعنى الشعري والاجتماعي معا. ولله الأمر من قبل ومن بعد.



Fowziyah@maktoob.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5148 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد