Al Jazirah NewsPaper Wednesday  07/05/2008 G Issue 13005
الاربعاء 02 جمادى الأول 1429   العدد  13005
مسلسلا سنوات الضياع ونور ينشطان في مدينة إسطنبول!
عبد الإله بن سعود السعدون

اعتاد المشاهد العربي على مشاهدة المسلسلات المصرية واللبنانية ومن ثم تحول في الفترة الأخيرة للمسلسلات السورية التي أثبتت جدارتها الإخراجية والتحاورية ونقلها لصورة واقعية للحياة العامة ومتاعبها المعايشة للإنسان السوري والعربي.

ومع بداية هذا العام توجه الإقبال المميز للمشاهد الخليجي والعربي نحو المسلسلات التركية المدبلجة باللغة العربية وبإتقان تام حتى تحسب الممثل أو الممثلة تتكلم أصلاً باللغة العربية ومتناسقاً مع حركة اليد والشفاه. فالمسلسل الأول (سنوات الضياع) ولا أدري السبب المنطقي للمترجم السوري لاختياره هذا العنوان الغريب عن الاسم الحقيقي للمسلسل (تحت شجرة الزيزفون) وترجمت جوازاً حتى تلائم درامية المسلسل ونحا المترجم بنفس الخط عند ترجمة أسماء أبطال المسلسل ومنحهم أسماء عربية حتى تشبع ذاكرة المشاهد العربي ويهدف هذا العمل التلفزيوني الرائع لتجسيد الفوارق الطبقية بين عائلة عبود بك رجل الأعمال الثري الذي يعيش وعائلته في قصر على ضفاف البسفور الخلابة يرعاه الخدم والحشم ويملك شركة من أكبر شركات الملبوسات في مدينة إسطنبول ويتنزه في عطلة نهاية الأسبوع في مزرعة الخيول الواسعة وبين الوضع المأساوي الذي يعيشه بطل المسلسل يحيى الذي ترعرع في (حي غازي) الواقع في أفقي مناطق مدينة إسطنبول وسكانه معظمهم من أبناء الطبقة الفقيرة وذوي الدخل المحدود والبسيط والذي تفصله عن حبيبة عمره وخطيبته - رهيف - مغريات الحياة الغنية الفارهة والتي سيطرت على كيانها بعد سجن خطيبها يحيى بجريمة دفاعه عن مستقبل حياته الزوجية مع زوجته المنتظرة رهيف - ويسخر الله سبحانه كمال بك وبوفائه العالي ليرفع من مكانة يحيى حتى يصبح شريكاً له في أكبر مجموعة اقتصادية في إسطنبول ويوجهه انتقامه الشخصي لملاحقة أخت غريمه عمر بك الذي سلبه حبيبة العمر وتبقى الآنسة لميس شقيقة عمر بك يغطي عينيها غشاوة الحب ولا تعرف المقصد الحقيقي الانتقامي في تودد يحيى لها وتستمر الأحداث الدرامية حتى تجمع الظروف القاسية التي عاشتها عائلة لميس بتجدد الحب بينها وبين يحيى! أما مسلسل (نور) ولا أعلم أيضاً التغيير في الاسم الحقيقي له وهو (كومش) ومعناها العربي (فضة) وهذا الاسم معروف لدى أكثر المجتمعات العربية وأيضاً شمل التغيير أبطال المسلسل الذي يناقش الاختلاف الطبقي والعائلي بين بيئة البطلة اليتيمة نور القادمة من قرية صغيرة ومجتمع عائلي فقير عروساً لعائلة فكري بك العجوز الثري والذي يعيش في أفخم قصر في كل إسطنبول يحيطه البحر الجميل من كل جهاته والجنائن الغناء تزين مداخله وهذه القصة حقيقية لشخص مالك القصر فعلاً هو وأفراد عائلته ولم يبق منه في الحياة إلا مهند وعائلته وبانا وأخوها فجر الذي هاجر لأمريكا لإتمام دراسته وبقي هناك. وتجسد فعلا شخصية رئيس العائلة العثماني واهتمامه الكبير بكل شؤون عائلته حتى تفسر بأنها تسلط قاسٍ منه بنظر الجيل الجديد من أحفاده وتبرز شخصية (شريفة هانم) ممثلة لشخصية الحماة التركية المتجسسة والحشرية والمتعالية والتي تضع أنفها في وكر الزنابير ولا تتعض بلدغها ومكروهة حتى في أقرب الناس لها زوجها (أحمد شاد أوغلو) الذي عشق صائدة السمك التي أعطته الاهتمام والمحبة والتي نساها من زوجته شريفة هانم!

إن نجاح هذين المسلسلين وإعجاب المشاهد العربي في بلادي سيشجعان المنتجين لتقديم مسلسلات أخرى جميلة وهادفة، إن المشتركات الفنية والاجتماعية لهذين المسلسلين يعرضان جمال وروعة مدينة إسطنبول كمنتجع سياحي مميز أحسه معظم المشاهدين لهذين المسلسلين وقد يشكل هذان المسلسلان دفعة تسويقية للسياحة الصيفية لتركيا وتكون باكورة نشاط المكتب السياحي التركي الذي افتتح قريباً في الرياض وتعتبر إسطنبول بتاريخها العريق وحاضرها المتمدن الحديث تشكل أحلى عقد سياحي يربط بين عنق آسيا وأوروبا بأجمل جسرين دوليين!

ويظهر أيضاً سلبيات المجتمع الإسطنبولي كمدينة مزدحمة يقطنها أكثر من عشرين مليون نسمة علاوة على الموجات السياحية التي تفرزها منافذ تركيا مع أوروبا مروراً بإسطنبول ومع هذا الخليط البشري الذي تموج به إسطنبول اشترك المسلسلان بظاهرة مافيا القمار العالمية والتي تصطاد بشباكها اللاخلاقية ضعاف النفوس وراغبي وهم الربح السريع وهناك تسابق الإعلام الرخيص المعتمد على عنصر الإثارة والتجريح مرتكزاً على الفبركة الغنية للأخبار الكاذبة والتي تسلك الابتزاز المادي سبيلاً لترويج وسائلهم الإعلامية المأجورة.

مسلسلان جميلان تميزا بفنية عالية في التمثيل والسيناريو والإخراج والمؤثرات الموسيقية لأجمل الألحان التركية الرقيقة هادفة في درامية اجتماعية تسعى لتغليب المحبة والوفاء والعلاقات الإنسانية من أجل تحقيق سلام اجتماعي مستقر.

محلل إعلامي



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد