Al Jazirah NewsPaper Friday  09/05/2008 G Issue 13007
الجمعة 04 جمادى الأول 1429   العدد  13007
نوازع
عجائب ابن حزم
محمد بن عبد الرحمن البشر

تاريخ الأندلس مليء بكثير من الأحداث كما أنه أبقى لنا نفائس من الكتب التي حوت الكثير من المآسي والمباهج والقصص والطرائف والعجائب.

ومن العجائب ما أورده العلامة علي بن حزم الأندلسي الشافعي في صباه والظاهري فيما بقي من عمره، صاحب المؤلفات المشهورة مثل المحلى والملل والنحل وطوق الحمامة، فقد أورد ابن حزم في كتيب صغير سماه (نقط العروس في تواريخ الخلفاء) بعضا من تلك العجائب. ونقل لنا هذا النص البديع أحد تلامذته وهو محمد بن فتوح الحميدي مؤلف كتاب جذوة المقتبس، ومن ذلك أن زاوي بن زيري - وهو أحد رؤساء البربر- عاش وعاشت معه أكثر من ألف امرأة لا تحل له منهنّ واحدة فجمعيهنّ من نسل إخوته، وكذلك مثل هذا العدد من الرجال، وهذا يعني أنه عاش معهن في عصر واحد، وهذه دلالة واضحة على تعدد الزيجات والقدرة على الإنجاب لدى أبيه ونسل أبيه، ويبدو أن هذه القبيلة البربرية الكريمة لدى رجالها وربما نسائها قدرة كبيرة على حسن التعامل مع النساء واستطاعت إيجاد توازن اجتماعي مع ما فطر الله الإنسان عليه من الغيرة وحب التملك، ولا سيما عند النساء، ومن المحتمل أن يكون الأغلب من هذا النسل من الجواري الصقالبة وذوي الأصول الأوروبية.

ومن العجائب أيضا أن عبدالرحمن بن الحكم قد بايع لعبدالرحمن بن محمد بن الحكم الملقب بالناصر، وهو عم جده، كما أن والده قتل وهو ابن يوم واحد مع وجود أعمامه، ودون وصاية له بولاية العهد، وعمره لم يتجاوز اثنين وعشرين عاماً.

ومن العجائب أن رجلا ظهر بعد موت الخليفة هشام بن الحكم المؤيد أحد خلفاء بني أمية بالأندلس وادعى أنه هو، فبويع له وخطب له على جميع منابر الأندلس في أوقات شتى، وبعد ذلك سفكت الدماء وتصادمت الجيوش من أجله.

ومن العجائب ما حدث بالأندلس حيث خطب بالخلافة لأربعة رجال في فترة واحدة، وعلى بعد مسافة قريبة جداً، وهم خلف الحصري بإشبيلية الذي ادعى أنه هشام بن الحكم المؤيد، ومحمد بن القاسم بن حمود بالجزيرة، ومحمد بن إدريس بن علي بن حمود بملقة، وإدريس بن يحيى بن علي بن حمود ببيتشر.

ومن العجائب التي أوردها علي بن حزم أن امرأة يقال لها ثمل القهرمانة جلست للمظالم أيام المقتدر، وحضر مجلسها القضاة والفقهاء.

وأورد ابن حزم بعضا من الخلفاء الذين ماتوا بالقتل، فذكر منهم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حيث طعن بخنجر، وعثمان بن عفان -رضي الله عنه- الذي قتل بالسيف، وعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قتل بالسيف، وعبدالله بن الزبير -رضي الله عنه- قتل بالسيف وصلب منكساً، ومروان بن الحكم قتلته امرأته أم خالد بمخدة، وعمر بن عبدالعزيز -رضي الله عنه- قيل إنه سُمّ، والوليد بن اليزيد قتل بالسيف، وإبراهيم بن الوليد مات غرقاً، ومروان بن محمد الملقب (بالحمار) آخر خلفاء بني أمية بالمشرق قتل بالسيف، والسفاح العباس قيل سَمَّه المنصور، وقيل مات بالجدري، أما المهدي فقد أرادت إحدى خطيبتيه طلة وحسنة أن تَسّم الأخرى في حلوى فأكلها ومات. فكانت تقول بعد موته: أردت الانفراد بك فأوحشت نفسي منك.

أما الخليفة الهادي فقد كان جالسا مع أحد جلسائه فدفع بالجليس من جرف قريب منهما، فتعلق الجليس بالخليفة الهادي فوقعا مع بعضهما، وكان هناك أصول قصب فارسي فدخل من خلفه ومات.

أما هارون الرشيد، فقد أخطأ الطبيب في علاجه من مرض كان به فمات أما ابنه الخليفة محمد الأمين فقد قتله أخوه المأمون بالسيف، كما أن الخليفة المتوكل قتل أيضا بالسيف، والخليفة المنتصر قيل إنه سُمّ في كمثرى، وقيل من مبضع أثناء حجامته، وقيل أدخل الزئبق في أذنه، والمستعين قتل بالسيف.

ومن العجائب أن الخليفة العباسي قد أدخل في حمام وأغلق عليه حتى مات، كما رمي بابنه في صهريج ماء فمات فيه من شدة البرد، والخليفة المهتدي قتل بخنجر.

أما الخليفة العباسي المعتمد فقد قيل أنه سُمّ، كما أن هناك من يقول إنه رمي في بركة رصاص مذاب، وقيل ملئت له حفرة من ريش ومشى عليها فسقط فيها فمات غماً.

أما الخليفة العباسي المقتدر، فقد قتل بالسيف، والمنذر سَمّه أخوه في مبضع فصد به، أما هشام المؤيد الخليفة الأندلسي فقد قتل خنقا كما قيل.

ومن العجائب التي أوردها ابن حزم أن الخليفة القاهر استجدى في خلافة المطيع ابن أخيه.

أما الخلفاء الذين استجدوا قبل الخلافة فمنهم علي بن حمود الحسني، ويذكر ابن حزم أن الشيخ الحسن بن بقي قد أخبره أنه رأى علي بن حمود يستجدي عبدالعزيز بن المنذر قبل توليه الخلافة، كما أن أبا جعفر المنصور كان يعمل شرطياً لدى خالد بن عبدالله القسري بثمانية وستين درهما في الشهر، كما أن سليمان بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة قد جلد أبا جعفر المنصور لأنه استعمله على بعض نواحي فارس، فأخذ المال لنفسه فضربه سليمان بالسياط ضربا شديدا وأغرمه المال، فلما ولي الخلافة ضرب عنقه، وكان المنصور يقول: ثلاث كنّ في صدري شفى الله منها: كتاب أبي مسلم إلي وأنا خليفة ودخول رسوله علينا يقول: أيكم ابن الحارثية؟ وضرب سليمان ابن حبيب ظهري بالسياط.

أما المأمون فقد جلده أبوه الرشيد في حد الزنا ببعض حرمه، وفي ذلك يقول الشاعر مادحاً لأخيه الأمين ومعرضاً بالمأمون بيتين غمزه في البيت الثاني فقال:

لا ولا خان ولا حُدّ ولا في الحكم جار

والعجائب والغرائب تطول ونكتفي بما أوردنا وإن كان بعض منها يدعو إلى التوقف عنده ولا سيما القتل بالسم، والله أعلم بالحقيقة.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6227 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد