Al Jazirah NewsPaper Friday  09/05/2008 G Issue 13007
الجمعة 04 جمادى الأول 1429   العدد  13007
دور المجتمع في التحصين ضد الأفكار المنحرفة
سعود بن عبدالله بن طالب

فلا يخفى أن للمجتمعات المدنية أثراً كبيراً، ومسؤولية جسيمة تجاه إصلاح ذواتها، وتقويم مسيرتها، والحفاظ على هويتها، ومبادئها، ومقوماتها، وأن أي إخلال بتلك المسؤولة، أو أي تقصير في أداء واجبها، سينعكس سلباً على الجميع، والعكس بالعكس.

ولذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يكثر من إيراد الأمثال، وضرب التشبيهات البليغة، لترسيخ هذا المفهوم، وتطبيقه ومن ذلك:

أولاً: إنه جعل المجتمع المسلم كالجسد الواحد، وأفراده كأعضاء ذلك الجسم، فأي خلل، أو مرض يصيب عضواً من تلك الأعضاء سيتأثر به - حتماً - كل الجسد، وكذلك المجتمع إذا اختل فرد منه أو جماعة فإن ذلك سيؤثر في المجتمع ككل، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). متفق عليه.

فإذا كانت صحة الجسد وقوته لا تكون إلا بالمحافظة على الأعضاء، والعناية بها وتوفير صحتها، فكذلك المجتمع لا يستقيم أمره، ولا يقوى شأنه إلا بالمحافظة على أجزائه ومكوناته، وهم الأفراد والأسر.

ثانياً: إنه صلى الله عليه وسلم شبه المجتمع بالبنيان، وإن لبناته يشد بعضها بعضا، فقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) متفق عليه. فالبنيان لا يكون قوياً إلا إذا كانت لبناته قوية، ومتماسكة، ومتعاضدة، وكذلك المجتمع لا يكون قوياً ومتيناً إلا إذا كان أفراده أقوياء متماسكين، متحدين.

ثالثاً: إن المجتمع كالسفينة التي تجوب البحر، وأن أي فرد في تلك السفينة إذا قام بتخريب السفينة فإن الجميع سيغرق، لذا يجب على الجميع المحافظة على السفينة، وعدم السماح لأي شخص من العبث فيها، أو الإخلال بأمنها، وإلا فإن الكارثة ستحل بالجميع، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أننا خرقنا في نصيبنا، ولم نؤذِ مَنْ فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعاً) رواه البخاري وغيره.

فهذه الأحاديث الصحيحة المشتملة على تلكم الأمثال والتشبيهات البديعة، تؤكد - بما لا يدع مجالاً للشك - أن المسؤولية الكبرى تقع على المجتمع كله في المحافظة على نسيجه، وبنيانه، وقوته، وتماسكه، وذلك من خلال جانبين مهمين:

الجانب الأول: جانب الوقاية والتحصين، وذلك من خلال غرس المفاهيم الصحيحة، والمبادئ السليمة، وتقوية المعتقد الصحيح في نفوس أفراده، وفي مقدمتهم الشباب الذين هم عماد الأمة ومستقبلها، حتى تكون لديهم الحصانة والمناعة الذاتية ضد الأفكار المنحرفة، والمفاهيم الباطلة.

الجانب الثاني: جانب العلاج، وذلك بالوقوف في وجه المنحرف من الأفراد ومناصحته، وإعادته إلى جادة الصواب بالحكمة والموعظة الحسنة، فإن أبى إلا الإفساد في المجتمع، وخرق السفينة فلا بد من منعه، والضرب على يده.

ولا شك أن المقصود بالانحراف والضلال، والخروج عن سواء السبيل نوعان:

النوع الأول: الانحراف والخروج عن الصراط المستقيم إلى جانب الغلو، والتكفير، والتنطع.

النوع الثاني: الانحراف والضلال بالخروج عن الوسطية، والتحلل من الدين، والقيم، والأخلاق.

فكلا النوعين يؤدي إلى فساد المجتمع، وتهلهل نسيجه، وذهاب تماسكه، وضعف قوته، مما يحتم على المجتمع المسلم أن يكون يقظاً، حريصاً على متانته، وقوته، متمسكاً بالعروة الوثقى، معتصماً بحبل الله المتين، موحداً غير مفرق، ملتفاً حول قيادته.

أسأل الله - تعالى - أن يحمي مجتمعنا من كل سوء، وأن يصلح شبابه، ويديم عليه نعمة التمسك بالكتاب والسنة، في ظل القيادة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، حفظهما الله ورعاهما.

* وكيل وزارة الشؤون الإسلامية للشؤون الإدارية والفنية



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد