Al Jazirah NewsPaper Thursday  22/05/2008 G Issue 13020
الخميس 17 جمادى الأول 1429   العدد  13020
إضاءات نفسية
د. محمد بن عبد العزيز اليوسف

زاوية تهتم بكل ما يتعلق بالطب النفسي والتنمية البشرية وتطوير الذات.. نستقبل كل أسئلتكم واقتراحاتكم.

الأدوار المتعددة

أناامرأة متزوجة من رجل يعمل في منصب كبير، وحالتنا المادية ولله الحمد ممتازة.. كل ما أحتاجه أنا وأطفالي ماديا متوفر لنا حتى ما أكون جاحدة، ولكن يادكتور المشكلة أن زوجي بعيد عنا عاطفيا سواء أنا أو أطفالي الثلاثة حتى إنني في الكثير من الأوقات احس أنه يتعامل معنا على أننا موظفين عنده، عمري ماحسيت انه معنا حتى لو كان متواجد بجسمه بالعكس بروتوكولات وهموم العمل تلاحقه في كل وقت.

أكثر ما أزعجني بصراحة كلمة صرحت بها لي بنتي الكبيرة (أنا ابوي مايفرق عندي وجوده زي عدمه، بصراحة ما أحس إني أحبه) هذي الكلمة يادكتور ذبحتني، حاولت أكثر من مرة ألفت نظره لانشغاله الدائم عني وعن أطفاله أجده يجتهد ويحاول فترة يقرب منا بس مع ذلك يظهر أحيانا كأنه يمثل أكثر منه حقيقي وكلها أيام ويرجع على طبيعته الأولى، أسألك بالله يادكتور هل يوجد حل لمثل حالتنا هذه؟

أختي الكريمة..دعيني أولا أتلمس بعض النقاط الايجابية في قصتك فرغم معاناتك - أعانك الله - الا أن زوجك على الأقل يعي ويتقبل كما يبدو وجود قصور لديه، وهذا بحد ذاته أمر مشجع على إمكانية التغيير لأن هناك في المقابل من لا يعترف بوجود خلل في التواصل الأسري لديه ويظل يكابر رغم معاناته المستمرة من هذا الأمر. من الناحية النفسية يمكننا النظر لحياة كل منا على أنها عبارة عن مجموعة من الأدوار، مثلا الرجل العسكري هو عسكري في وظيفته لكنه بمجرد أن يعود إلى بيته يجب أن يلعب دور الزوج والأب بكامل تفاصيله، وعندما يذهب للقاء أبويه فانه يتحول للعب دور الابن أيضا بكامل تفاصيله.

ورغم أن هذا الأمر قد يبدو نظريا سهل لكنه في الحقيقة ومن الناحية النفسية قد يشكل صعوبة حقيقية عند البعض حيث تختلط لديهم الأدوار وقد ينغمس الشخص أحيانا بالكامل في أحد الأدوار (كالدور الوظيفي) فيبدو للآخرين أنه غير قادر على الخروج منه والتعامل معهم بتلقائية وانسيابية، وكلما زادت درجة النضج النفسي لدى الشخص زادت مرونته وبالتالي مقدرته على التنقل بانسيابية بين الأدوار المختلفة.

ولنا في معلم البشرية رسول الله صلى الله عليه وسلم عبرة فمن يتأمل سيرته يجد أنه كان يعيش مع عائشة - رضي الله عنها - دور الزوج بكامل تفاصيله، وحين يرى الحسن والحسين - رضي الله عنهما - يداعبهما ويلاعبهما كأفضل ما يكون الأب والجد الحنون رغم أنه يقوم بالدور الأعظم - رسول الأمة - في تصوري أن زوجك بحاجة إلى أن يبقي هذه الفكرة دائما حاضرة في ذهنه وبمجرد أن يضع قدمه على عتبة المنزل عليه أن يخلع عباءة المنصب أو المركز الذي يحمله ويعود بكل تجرد زوجا وأبا وقبل كل ذلك إنساناً يترك لعواطفه ومشاعره التلقائية فرصتها للتعبير عن نفسها تجاهك وتجاه أطفاله.

والقضية هنا خصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع الأبناء هي قضية كيف وليس كم كما تؤكد الكثير من الدراسات والأبحاث في هذا الشأن.

فالأهم هو نوعية وجودة التواصل مع الأطفال فقد يقضي أحد الآباء ساعة واحدة فقط في اليوم مع أبنائه لكنها مليئة بالمشاركة والتفاعل العاطفي والذهني الفعال ويكون بذلك أفضل من أب يقضي ساعات طويلة معهم لكنه موجود جسديا فقط أو بتواصل سطحي بعيدا عن التواصل الحقيقي الفعال.

من جانبك أعتقد أنك قادرة - بإذن الله - على مساعدته شيئا فشيئا لقضاء وقت ممتع معكم كأسرة بعيدا عن ضغوط العمل وهمومه، وبتواصلكم جميعا معه كأسرة بكل حماس وتلقائية عاطفية لابد أنكم ستستثيرون داخله الإنسان الأب والإنسان الزوج والذي هو بالتأكيد موجود لكنه في وضع يمكن أن نطلق عليه الانطفاء أو السكون النفسي، وأسرع طريقة لاستثارته من جديد هي تمرير شحنات عاطفية سريعة التدفق تعيده تدريجيا لك كزوج ولأطفاله كأب.

ولعل تخصيص يوم خاص للأسرة بشكل ثابت أسبوعيا ان أمكن ذلك سيساعده على وضع كل همومه ومشاغله الوظيفية جانبا والحضور بوضع نفسي وذهني أكثر صفاء وجاهزية لك ولأبنائكما.

وفقكم الله.

اضطراب وجداني

* السلام عليكم..

أنا مصاب بالاضطراب الوجداني ثنائي القطب وسبق لي التنويم في المستشفى أكثر من مرة لكنني حاليا أستخدم دواء الديباكين حبتين مساء وحالتي ولله الحمد استقرت تماما من أكثر من سنة ونصف تقريبا، منتظم في عملي وليس علي ملاحظات الحمدلله.

هل يمكنني يادكتور ايقاف الدواء الآن أم لا؟

أخي العزيز يجب أن تعرف أن طبيعة هذا المرض أنه يأتي بشكل نوبات من الاختلال الحاد في المزاج وهو الأمر الذي ربما استدعى سابقا تنويمك في المستشفى كما تعلم، وما بين النوبات يعود الشخص إلى وضعه الطبيعي تماما في الكثير من الحالات.

بالنسبة للدواء الذي تستخدمه حاليا وهو الديباكين يعتبر أحد الأدوية الفعالة كمثبت للمزاج حيث يساهم في وقايتك - بإذن الله - من نوبات الهوس (الارتفاع الحاد في المزاج المصحوب بأعراض أخرى) ونوبات الاكتئاب (القطب الثاني لهذا الاضطراب) فهو بذلك يعتبر علاجا وقائيا تماما كما نتحدث عن أدوية السكر والضغط أنها تقي الشخص من الارتفاعات الحادة لمستوى السكر أو الضغط وقد يحتاجها المريض بشكل مستمر.

وبحكم أنه سبق لك التنويم أكثر من مرة كما ذكرت وحيث إن هذا الدواء كما يبدو قد ناسبك فنصيحتي هي الاستمرار بأخذ الدواء بشكل منتظم وعدم ايقافه الا حين يقرر لك ذلك طبيبك المعالج الذي وصفه لك بناء على معايير منضبطة وتاريخ مرضي محدد.

وفقك الله وأدام عليك الصحة والسعادة.

رهاب اجتماعي

* أنا يادكتور الحمدلله أذكر الله في السر والعلن لكن مشكلتي إذا جيت في مجلس كبير أحس تجيني كتمة وأنا أتكلم في المجلس بين الرجال وأحس اني مرتبك وما عندي اسلوب ومحطم نفسيا لما أتحدث مع أحد من أقاربي.

هل هذه حالة نفسية يادكتور؟ وما الحل الله يسعدك؟؟

أخي الكريم يبدو من رسالتك أنك تعاني - أعانك الله - من أعراض قلق وتوتر تصيبك في المناسبات الاجتماعية (عند التحدث مع الأقارب مثلا كما وصفت)، هذا التوتر يكون مصحوبا بأعراض القلق الجسدية كالكتمة في الصدر، نشفان الريق، الخفقان وربما ارتعاش اليدين أيضا. فان كان الأمر بهذه الصورة فقد تكون تعاني من أعراض رهاب (قلق) اجتماعي ونعني به أنك كشخص ورغم رغبتك وحبك للاختلاط بالأقارب وحضور المناسبات الاجتماعية الا أنك تقلق كثيرا ويزداد توترك خصوصا عندما تضطر للتحدث معهم.

أحيانا المصابون بالقلق الاجتماعي هم أشخاص يبالغون في تقدير قيمة الآخرين وبالتالي يرغبون في الظهور أمامهم بأسلوب وطريقة معينة مما يزيد من العبء النفسي عليهم ويزيدهم توترا وارتباكا وبالتالي يحرمهم من التلقائية المطلوبة في مثل هذه المناسبات.

لا أعتقد أخي أنك لا تملك أسلوب - كما ذكرت - وللتأكد من ذلك لاحظ أسلوبك وطريقتك في الكلام مع أصدقائك المقربين (الذين اعتدت على مجالستهم) ستجد أنك أكثر انطلاقا وسلاسة في الحديث بل وربما تملك أسلوبا جيدا لكنك تفتقده عندما يقيدك القلق والتوتر في تواصلك (الرسمي) مع بعض أقاربك فيتجه تركيزك أكثر فأكثر إلى ذاتك (الشعور بالارتباك والكتمة في الصدر كمثال) بدلا من التركيز على محور النقاش معهم.

نصيحتي لك أخي العزيز هي زيارة أحد الأطباء النفسيين حيث يمكنك الاستفادة من برامج علاج الرهاب الاجتماعي بعد إجراء تقييم متكامل لك، وستجد بإذن الله تعالى فائدة كبيرة منها في تحسين جودة تواصلك مع الآخرين بشكل عام. وفقك الله

إضاءة

الاستماع الجيد أساس التواصل الفعال

دكتوراه في الطب النفسي - كلية الطب ومستشفى الملك خالد الجامعي - الرياض


e - mail: mohd829@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد