Al Jazirah NewsPaper Friday  23/05/2008 G Issue 13021
الجمعة 18 جمادى الأول 1429   العدد  13021
الانهيار بسرعة السقوط!
حسين أبو السباع

قال حين سقطت التفاحة: وجدتها، وأعلن اكتشافه الجاذبية الأرضية.

وخلال حديث دار بيني وبين ناشطة سياسية عربية مقيمة في الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً، قالت لي بالحرف الواحد: ليس مهماً أن تكسب معاركك بقدر ما هو مهم جداً أن تعرف قيمة ما قدمته من منجز.

تذكرت أنهم علمونا في المدارس حين كنا صغاراً أنه ليس مهماً أي شيء، لكن المهم أن تكسب المعركة، وكأنهم كانوا يزرعون فينا مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة)، أدركت الفرق بين ما تعلمناه حين كنا صغاراً، وما كنا يجب أن نتعلمه!

حقيقة، ليس مهماً الفوز أو الخسارة، المهم هو أن نقيّم تجاربنا جيداً، ونراجع أنفسنا جيداً قبل الإقدام على أي خطوة ربما تخرب العالم من حولنا، فهناك معارك كثيرة دارت على الأرض العربية، منها عربية عربية، ومنها عربية إسرائيلية، أو تمرد يحاول أن يضرب السودان، أو حتى عواصف دموية تضرب بلا رحمة، وبفلسفة واحدة عجزت أن أفهمها، هي عدم قبول الآخر، وتقاذف التهم، وفريق من (الردِّيحة) يتناوبون على تبادل الشتائم، هذا يقسم على ألا يوجه ضرباته إلى الداخل، وذاك يتهم بالعمالة لصالح العدو، والنتيجة قتلى في الشوارع بالعشرات، ويعتمد كل فريق على ضعف ذاكرة الشعوب الرافضة لكل الأحداث الدموية والراغبة فقط في الحياة.

والسؤال: ما الذي جنيناه نحن الشعوب العربية التي تمشي على مجرد قدمين -ربما حافيتين- لا ناقة لنا ولا جمل بما يتهم به كل فريق الآخر، هل استطاع أيٌّ من الفريقين تخفيض أسعار الدواء، أو رغيف الخبز مثلاً؟.. هل استطاع أيٌّ من الفريقين تعبيد الطرق بالصورة الحضارية بدلاً من إغلاقها وتحويلها إلى ثكنات عسكرية؟.. هل استطاع أيٌّ من الفريقين تجميل الوجه المشوه للصورة العربية أمام العالم، الصورة التي كلها (نعرات)، ولا تحمل أيَّ ملامح لاستشراف آفاق المستقبل، في حين يقبع العلماء في العالم المتقدم على الدراسة المستميتة من أجل تغليب العلم على الجهل، فالعصر المقبل علينا لا يحمل بين جنباته غير العلم الذي من دونه نتحول جميعاً إلى قطيع، وربما نساق إلى الذبح، وحين نعلم أنه يوجد أكثر من مليون أميّ في العالم العربي، تكون النتيجة جداً طبيعية لما صارت إليه الأحداث الآن، لكنها أيضاً محزنة حدّ البكاء!

كيف لنا أن نقيّم المشهد السياسي، والداخل الفلسطيني مثلاً متمزق بين فتح وحماس، ومن يفاوض ومن يقاتل، والداخل العراقي أيضاً سكنته الطائفية بأبشع مستوياتها، إلى جانب الاحتلال، وفي لبنان كذلك، وبعيداً عن نظرية المؤامرة نستطيع أن نقول إن هناك من له مصلحة في لعبة التفريق بين الشعوب العربية وغرس لعبة الثنائيات بين أبناء الوطن الواحد، وهذه أبجديات التسيّد، (فرق تسد)، ولم نلتفت، أو ربما التفتنا لكننا لن نفهم، وربما فهمنا، لكننا لم نعمل، وربما عملنا، لكن عملنا كان ضد الداخل.

الجهل المعرفي هو المسيطر على مجريات الأحداث من المحيط إلى الخليج؛ الأمية، والعنف الأسري، وقتلى في الطرقات هنا وهناك، أصوات مدافع، لا يمكن تصور كيف يجلس المطبعون مع إسرائيل على طاولة واحدة في ظل ما يحدث من انتهاكات في الأراضي المحتلة، رغم المشاهد المأساوية التي تعرضها الفضائيات ومواقع الإنترنت، لا يمكن أن أتصور كيف يحيا أبناء هذا الجيل في ظل كل هذه الإحباطات الرهيبة المحيطة من غلاء أسعار، وقتل عشوائي، وتهديد بحروب طائفية، مشكلاتنا العربية لا تنتهي، فهنيئاً لإسرائيل بكل ما تم تخريبه في العالم العربي بأيدي أبنائه، من أعمال قتل وترويع، وإهدار ثروات، ثم نلجأ في النهاية إلى طاولة حوار، وكأن شيئاً لم يكن، كأن من مات ليس له ثمن، كيف سولت له نفسه قتل أخيه؟ كيف أقنعوه بأن يرفع سلاحه في وجه وطنه؟ ثم يُقتل ليعد بالأرقام من دون تاريخ أو هوية.

من العراق، إلى لبنان مروراً بالسودان، كلها أزمات دموية مشتعلة، ولو تحدثنا في سطور قليلة عن المشكلات التي تواجهنا في باقي الدول العربية التي لا يوجد فيها أزمات دموية لوجدنا أننا نحتاج مجلدات لكي نحصر فقط عناوين المشكلات من: بطالة، عنوسة، ارتفاع في الأسعار، أمية، العنف ضد الأطفال والمرأة، اقتصاد متدهور، حالة جهل معرفي كبرى، معدل قراءة في الوطن العربي للفرد لا تتجاوز (6) دقائق في العام، انتشار الرشوة، والفساد الإداري، التعتيم الإعلامي في كثير من الدول العربية، جرائم الشرف التي ارتفعت معدلاتها في الفترة الأخيرة بصورة غير مقبولة، أسمدة مسرطنة، وأكياس دم ملوث، ويهرب الجناة في وضح النهار، إلى جانب تجاوزات في تطبيق القانون، وصلت الأمور في كثير من الدول العربية إلى حالة انعدام الثقة بين المواطنين وحكوماتهم، فالعالم العربي الآن في الحالة المثلى للانهيار، وهذا الجيل الذي يعيش الآن يعاني القلق في أعلى مستوياته، والحلم الذي يقض مضاجعنا هو الخوف من السقوط من أعلى، فإذا كانت الهوة سحيقة كان السقوط سريعاً جداً، وقاتل في الآن، فهل سنصرخ مثلما فعل مكتشف الجاذبية حين سقطت تفاحته ونقول: وجدتها.. أم أننا سنسقط قبل التفاحة، أو ربما قبل ورقة التوت، لكن ليس بفعل الجاذبية، وإنما بفعل هؤلاء الرافضين لحياة هانئة للآخرين، وهم يسكنون الغرف المكيفة، ويزرعون في شبابهم كره الحياة، فيقتلون بلا وعي أو تفكير!



aboelseba2@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد