Al Jazirah NewsPaper Friday  23/05/2008 G Issue 13021
الجمعة 18 جمادى الأول 1429   العدد  13021
وقفات.. أكثر من خيبة!
سلوى أبو مدين

حينَ أتأمل عمق مفردات رامبو أقف مأخوذة. بذاك العمق الفلسفي الذي بلّل روحي بالندى إذ يقول: (كلّ الأقمار قاسية، كلّ شمس عذاب).

وأتابع تجوالي في بستان جوتة وأقرأ قصيدته الرائعة: (دعوني أبكي، إن الدموع تُحيي التراب وها هو يخضرّ).

وأتساءل: ما حيلة جناح مكسور أن يحلِّق في الفضاء الشاسع.؟!

كنتُ ولا زلتُ أحاول الطيران عالياً لكن الخيبات من الصديقات نالت مني وحالت دون ذلك.

في كلّ مرة كنتُ على يقين بأن محاولاتي ستنجح لكن الصفعات توالت مرة تلو الأخرى أوقفني!

لا زلتُ أقرأ هذا العالم الذي أضحى بلا معالم.. ومنْ تهده زهرة بيضاء يُهدك خنجراً مسموماً!

ومن تتخذه صديقاً تظهر لك الأيام غير ذلك.

كم خيبةً نالت مني..

كم جرحاً تقاسمته نفسي..

وفي كلّ محاولة خذلان أعتذر لكائناتي الجميلة التي لا يساويها شيء، ذاك عالمي الذي يدثرني بنقائه الناصع، فراشاته الملونة، نبتته الخضراء، نجومه البراقة، حديقة أوراقي، أقلامي وكتبي، شموعي الخافتة كائنات صامتة لهي خير من الزيف الذي أقرأه وألمسه في أرواح البعض.

العالم بقسوته..

العالم قاسٍ..

البشر في هذا العالم فقدوا شرطهم الإنساني، وهذا سبب الخراب الذي يلفنا من كلِّ الجهات... ولكن علينا أن نراهن على وجود الإنسان فينا، وإلا فقد الوجود معناه والحياة قيمتها.

الخيبة والقسوة أقوى مني، بل أقوى منا جميعاً.

بين كلّ الذي يغلف هذا الكون القاتم تنتشلني مفردات ناصعة لصديقتي الشاعرة سوزان عليوان صفحة من رواية من نسيان. إذ هي استراحة ظل، هي صرخة بئر استطاعت عدستها أن تعكس خيبتي - أحلق في فضاءاتها الواسعة.

(أحدّقُ في الحائطِ القريبِ كوجهٍ أقسو لئلا يكسرني حناني. من منَّا الضحيَّة؟

من الجلاَّد؟ ومن أن يأتي العابرون لعُقَدِنا بهذا الكُرهِ العميقِ للأقنعةِ والستائر؟

بأهدابٍ طويلةٍ سوداء، ونعاسٍ خافتٍ كخيانةٍ كخنجر، أتسلّّلُ إلى نسياني. لا أحدَ ينتظرُني، والثلجُ يتساقطُ ثقيلاً، مع جثثِ الطيور.

بينَ إغماضةٍ وغياب، مع رموش الشمع الأسودِ في شموسِهمْ، أشردُ في فضاءٍ ناصعٍ من صنعي، من أوهامي).

وجهي الصامت

صوتي الخافت

الوجع الأزرق متدلٍ كعنقود عنب.

أُجْرَحُ وأُدْمَى

الوجع ذاته

وتواصل روحها الظامئة النزف إذ تقول:

(كنتُُ كأشجارِ القطاراتِ أركضُ، في مكاني

كانتِ السنواتُ مع القطاراتِ تمرُّ قاسيةً كأنَّها قلوبُكمْ

ما الذي بوسعي أن أقولهُ، سوى أن الأقنعةَ كانت أكثرَ رأفةً من الأهلِ والأصحاب - المرايا المهشَّمةُ تشهدُ: لا شيءَ يشبهُني مثلَ انكساري).

مرفأ :

كُلّ دموعي ذرفتها على الطرقاتِ، رسمتُ نهراً

الصداقة وهم!




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد