Al Jazirah NewsPaper Friday  23/05/2008 G Issue 13021
الجمعة 18 جمادى الأول 1429   العدد  13021
هكذا يوم الرحيل
سليمان بن فهد المطلق- بريدة

ودَّعَتْنا قبل خمسة من الشهور.. رحلت عنا بلا زاد أو متاع.. إلا عملها الصالح بإذن الله.. وكعادة الوداع، بكاء ونشيج ودموع.

كنتُ أحملها على كتفي مع ثلاثة من الرجال، لنحط جسدها تحت الثرى، وكنتُ أنهنه دموعاً حرى أفلتت بحرقة من عينيّ، طالعتُها وهي تُوسَّدُ ثراها، وفي بيتها البرزخي، فانثالت على ذاكرتي عشرات المواقف الجميلة التي التقّطَتْها ذاكرتي لها..

رمقت القبر رمقة مودعٍ باكٍ حزين.. أخذتُ حثناتٍ من تراب، لأغطيها بها، فاختطلت بماء عيوني الذي يأبى إلا أن يسلك طريقه! وداعاً جدتي..

وداعاً أيتها البسمة المنثالة.. وداعاً أيها الحب الطري الذي يسري في عروقنا جميعاً.. أرى طيفك في ركن صالتنا، وأنتِ تسامريننا، وتضفين على مكاننا عبق كلامكِ وعبق حضوركِ..

أرى هديتكِ الغالية على قلبي والتي أقسم ألا أنساها.. تلك الهدية التي أعطيتنيها يوم زواجي.. وأنتي تلثمينني.. وتبكين! وإن نسيتُ فلن أنسى جسدك بهزاله، حينما اخترمتكِ الأمراض والسنون، فصرتُ لا أستطيع أن أضع عيني عليكِ رأفة ورحمة.. يوم مُلّحَّفُ بالسواد.. هو يوم العزاء، العزاء لي أنا! العزاء لكم أيها الباكون..

العزاء لبناتك ومحبيك.. وفي يوم الوداع، لثمتُكَ - خالي العزيز- دعوت الله أن يجبر عزاءك بأمِّنا.. وبكيتك أنتَ أيضاً كنتُ أراك وأنت تحملها من مكان إلى مكان.. كنتَ تحملها بين يديك كطفل صغير.. كنت حاناً باراً بها.. مَلأتّ عليها أرجاء دارك.. كأني أراك وأنت تدخل بيتَك بعد رحيلها.. تنظر أثر مكانها.. وطيف خيالها.. كلامها الخافت المثقل بالمرض.. كأني أراك وأنت تسقط على فراشها الخالي.. تلثمه.. وتبكي بحرقة.. لقد رَحَلتْ عن دنيانا.. لكنها باقية بقلوبنا.. عزاؤنا أننا كلنا راحلون.. وإلى الدار الآخرة سائرون.. وداعاً جدتي..!!




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد