Al Jazirah NewsPaper Tuesday  27/05/2008 G Issue 13025
الثلاثاء 22 جمادى الأول 1429   العدد  13025
فهمنا الجاهل
نادر بن سالم الكلباني

نقحم أنفسنا في كثير من الأحيان في تبيان معززات ما نطالب بإصلاحه وتصحيحه، وننسى ونحن نقول مقترحاتنا الرصينة أن نتحكم في سلوكنا ونضبط تصرفاتنا لنتوافق مع ما نقول، أو على الأقل مع الحدود الدنيا لما نقول، فيأتي ما نُبيِّنه للناس مختلاً متناقضاً ممجوجاً لا يحقق القبول، والمسألة لو كنا نفهم حقاً لا تتطلب أكثر من أن ننظر فيما نحسن نحن فعله، ونقدر على الالتزام به ثم ننصح به الآخرين.

ونقحم أنفسنا في أغلب الأحيان في مناقشة أمور عديدة لا نفهمها كما ينبغي، لكننا سمعنا عنها، فنتخيل أننا بهذا نستطيع أن نحلل الواقع ونفرض الحلول ونرتقي بالنتائج، فنتسبب في تعقيد واقعنا وتضليل غيرنا، والأمر لا يتطلب لو كنا نفهم حقاً أكثر من أن نعطي لأنفسنا الحيز المناسب لها ولمقدار ما نفهمه دون تفخيم أو تصغير.

ونقحم أنفسنا في حوارات صاخبة مع أطفالنا، على أساس أننا الأفهم والأجدر بالقيام بالنصح، ونفرض عليهم بقوة الموقع فقط ما نعتقد أنه الأنسب والأفضل لهم، فقدرتنا على التمييز بين الصواب والخطأ تفوق قدرتهم، لكننا لا نصل معهم لنتائج تحقق غايات نرجوها، والمسألة لو كنا نفهم حقاً لا تتطلب أكثر من أن نستحضر ما كنا نفعل ونحن صغار، وكيف كانت تتجمع في عقولنا الصور، حتى تستقيم لغة الحوار بيننا وأطفالنا ونصونه من أن ينقلب كما يحدث دائماً إلى هذا الكم الكبير من فرض الأمور دون حصول الاقتناع بها.

أمور عديدة نقحم أنفسنا فيها من منطلق أننا نفهم الحياة على حقيقتها، فطول مكوثنا فيها وعمق تجربتنا مع متغيراتها وكثرة ما مررنا به من أحداثها يخولنا هذا كما نعتقد، ونتجاهل على الرغم مما ندعيه من فهم وخبرة، أنه عندما يزداد عمق فهم الحياة لابد وأن تزداد القناعة بعمق الجهل بها، لأننا إذا أقنعنا أنفسنا بفهم الحياة، بنينا في نفوسنا دوراً شامخة للجهل، وتأثرت كل نواحي حياتنا بفهمنا الجاهل.. والله المستعان.



naderalkalbani@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد