Al Jazirah NewsPaper Saturday  31/05/2008 G Issue 13029
السبت 26 جمادى الأول 1429   العدد  13029
قصة محطتين
غاو جيكاي

بكين - منذ افتتاحها مؤخراً، ابتليت المحطة رقم 5 في مطار هيثرو بلندن بالإخفاقات المتكررة. وعلى الجهة المقابلة من الكرة الأرضية، تعمل المحطة رقم 3 في مطار بكين، والتي افتتحت للتشغيل الكامل قبل يوم واحد من افتتاح المحطة رقم 5، بدون أي خلل تقريباً. ولم يكن من المدهش أن تستمتع أجهزة الإعلام العالمية بفضح إخفاقات المحطة رقم 5 في لندن، وأن تتجاهل النجاحات التي حققتها المحطة رقم 3 في بكين.

إن المحطة رقم 3 في بكين تتفوق بكل المقاييس على المحطة رقم 5 في لندن. فبينما تستطيع المحطة رقم 5 التعامل مع 12 ألف حقيبة فقط في الساعة (هذا في أفضل حالاتها) وثلاثين مليون مسافر في العام، تستطيع المحطة رقم 3 أن تتعامل مع 20 ألف حقيبة في الساعة وخمسين مليون مسافر في العام. وبينما تخدم المحطة رقم 5 المسافرين على شركة برتيش اير وايز فقط في أغلب الأحوال، فسوف تخدم المحطة رقم 3 المسافرين على شركة اير تشاينا وحوالي العشرين من غيرها من الشركات.

تُعَد المحطة رقم 3، بمساحتها التي تبلغ المليون متر مربع، أضخم محطة استقبال وسفر ركاب في العالم. إلا أن تكلفة إنشائها كانت أقل كثيراً من تكلفة إنشاء المحطة رقم 5 في لندن. وباستخدام آخر أسعار الصرف، تكلفت المحطة رقم 3 حوالي 3.86 مليار دولار أميركي فقط، مقارنة بتكاليف إنشاء المحطة رقم 5 في لندن، والتي بلغت 8.6 مليار دولار أميركي. فضلاً عن ذلك فقد استغرق إنشاء المحطة رقم 3 أقل من أربعة أعوام بينما استغرق إنشاء المحطة رقم 5 ما يقرب من العشرين عاماً.

إلا أننا نتجاهل نقطة جوهرية للغاية حين نعتبر نجاح المحطة رقم 3 نجاحاً للاشتراكية، وفشل المحطة رقم 5 إخفاقاً للرأسمالية. فإذا ما كان بوسعنا حتى الآن أن نصف النظام السياسي في الصين بالاشتراكية، فهو في أفضل تقدير (اشتراكية ذات خصائص وسمات صينية)، وهو ما يجسد التزايد المستمر في حجم النشاط الاقتصادي القائم على السوق، فضلاً عن اكتساب المزيد من الانفتاح الاقتصادي والشفافية في كل يوم.

ومن قبيل التضليل أن نعزو نجاح المحطة رقم 3 إلى الصين فقط، إذ إن مصممها بريطاني، كما أنها استفادت من أحدث التوجهات والميول في مجال الهندسة المعمارية والتشغيل، وتعمل طبقاً لأحدث وأرقى المعايير على مستوى العالم.

إن المحطة رقم 3 في بكين ليست سوى مشروع واحد من العديد من المشاريع التي نفذتها الصين مؤخراً سعياً إلى تحسين البنية الأساسية للمواصلات. وفضلاً عن تحول الصين إلى متنزه صناعي عالمي، فإن عدد المشتركين في خدمة الهاتف الجوال في الصين يتجاوز مجموع سكان الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، كما تجاوز عدد مستخدمي الإنترنت في الصين مؤخراً نظيره في الولايات المتحدة.

كل هذه التطورات تثير مسألة جوهرية: كيف ينبغي لنا أن ننظر إلى ذلك النمو الهائل في معدلات الإنتاجية، والذي أصبح مَعلَماً جديداً للصين؟ إن هؤلاء الذين يتشبثون بالقوالب الإيديولوجية العتيقة يواجهون مهمة تكاد تكون مستحيلة في التوفيق بين نمو الصين السريع وبين ما يدينونه باعتباره النظام الفاشل في الصين.

الحقيقة هي أن الصين منذ نهاية السبعينيات باتت على اقتناع تام بأن السلام والاستقرار يشكلان الشرطين الأعظم أهمية لنجاح جهود التنمية. وعلى هذا فقد عمدت الصين إلى مقاومة كل ما يحول بينها وبين التركيز على السلام والاستقرار والتنمية بكل قوة. وقد يساعدنا هذا في تفسير النجاح الكبير الذي حققته المحطة رقم 3 في بكين، وإجماع الصينيين الآن أكثر من أي وقت مضى على إدانة كل محاولة لاختطاف أو تلطيخ الألعاب الأوليمبية لدوافع خفية.

وإني لأتمنى أن يتوقف الملايين من المسافرين عبر المحطة رقم 3، ومن بينهم أولئك الذين سيمرون بها أثناء ألعاب بكين الأوليمبية، ليتأملوا المسافة الشاسعة التي قطعتها الصين طيلة العقود الثلاثة الماضية في كل ما يتصل بالإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي. مما لا شك فيه أن الطريق ما زال طويلاً أمام الصين، وقد يضع العديد من الناس أيديهم على الكثير من النقائص التي ما زالت تعيب الصين، ولكن لا يجوز لهم أن ينكروا أن مهمة الصين في تحويل أمة مؤلفة من 1.3 مليار نسمة من الفقراء إلى دولة متقدمة، بترسيخ السلام والتجارة الحرة، تُعَد واحدة من أعظم وأشرف وأصعب الملاحم في تاريخ البشرية.

في أعقاب الاضطرابات التي شهدتها التيبت والمتاعب التي أعاقت تقدم الشعلة الأوليمبية حول العالم، أصبحت بعض الأصوات في الخارج أكثر ميلاً إلى إقصاء الصين والحط من قدرها، وأشد رغبة في إذلالها، بل وتقسيمها. ولكن قد يكون من الأفضل بالنسبة للجميع أن يتوقفوا للحظة وأن يتأملوا المحطة رقم 3 في بكين، وأن يتصوروا إلام قد ترمز، وأن يفكروا في حجم الإنجاز، الذي تحقق بالانتهاء من تشييد هذا الصرح العملاق في وقت قياسي، بالنسبة لدولة ناشئة مثل الصين.

***

* غاو جيكاي نائب رئيس شركة النفط الصينية الوطنية (أوف شور) ومستشارها العام الأسبق، والمدير الحالي للاتحاد الوطني الصيني للدراسات الدولية

* خاص بالجزيرة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد