Al Jazirah NewsPaper Saturday  31/05/2008 G Issue 13029
السبت 26 جمادى الأول 1429   العدد  13029
جمهوري.. ديمقراطي.. هل هناك من فرق؟ 3-3
د. وحيد بن حمزة عبدالله هاشم

تبقى المنافسة الشديدة قائمة على قدم وساق بين هيلاري كلينتون وبارك أوباما لكسب ترشيح الحزب الديمقراطي لأي منهما لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية فيما لو فاز على مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين في الانتخابات الرئاسية القادمة. الذي يبدو حتى الآن أن أياً من المتنافسين (كلينتون أوباما) يرفض الاستسلام بسهولة ولن يقبل إلا بضربة سياسية قاضية، فالهزيمة الجزئية لا توجد في حسبان أي منهما. السبب بالطبع أن كلينتون تريد أن تصبح أول رئيسة أنثى (امرأة) للولايات المتحدة الأمريكية، وبذات المنطق ولذات الهدف يريد أوباما أن يصبح أول رئيس إفريقي ملون للولايات المتحدة الأمريكية. بمعنى أن الفوز يعني الدخول إلى التاريخ كأول سابقة سياسية تاريخية في التاريخ الأمريكي.

اللعبة حتى الآن بين الطرفين تدار بمهارة فائقة وتخطط بعقليات ذكية، وتتحرك بحركات مدروسة ومتقنة للاستفادة من نتائج وإيجابيات اللعب الهادئ خصوصاً على أعصاب الناخبين الأمريكيين فيما يتعلق بمداعبة الآمال الاقتصادية ورفع سقف الوعود الصحية والمادية، في ذات الوقت المضي قدماً في استثمار عامل الخوف من الإرهاب ومن البرنامج النووي الإيراني ومخاطره على إسرائيل.

لكن في هذا الشأن تحديداً تؤكد هيلاري كلينتون بأنها ستمسح إيران من الخارطة (أي ستدمرها) فيما لو تجرأت القيادة الإيرانية على مهاجمة إسرائيل. في المقابل يخفف أوباما من لهجته رافضاً سياسة الكاوبوي والتهديد (على حد قوله)، ومصمماً على ممارسة مسارات الدبلوماسية السلمية في التعامل مع إسرائيل.. وهنا يعد خطأ الشاطر بعشرة على ما يقال، فأوباما بهذا التصريح حتماً سيخسر الدعم اليهودي والصهيوني وكل من يتعاطف معهم من المحافظين الجدد وبل وحتى من المحافظين القدامى.

المعركة بين المرشحين الديمقراطيين ومن خلفهما مندوبو الحزب السياسي معركة شرسة جداً بعد أن استخدمت فيها معظم الأسلحة الدفاعية والهجومية المخصصة لرفع الشعبية أو لخفضها بعد إظهار مساوئ الخصم وأخطائه ومواطن ضعفه وقصوره حتى وإن تطلب الأمر الضرب تحت الحزام. لكن من يفوز من المتنافسين (كلينتون أو أوباما) كمرشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية هي أو هو الذي من المتوقع أن يلعب بورقة الاقتصاد بطريقة اللعبة الديمقراطية التي تعنى بالشريحة الاجتماعية الأكبر في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي حد اعتقادي أنها الورقة التي توجه الضربة القاضية إلى الخصم في لعبة السياسة الأمريكية.

في الشهور الماضية وحتى منتصف شهر يونيو القادم جرت وتجري مواقع مناظرات شديدة بين كلينتون أوباما فما أن انتهت مناظرة كجولة أولى من مباراة الملاكمة السياسية بينهما حتى تبدأ الجولة الثانية في معظم الولايات الأمريكية المهمة والحاسمة. ولعل محصلة رصد مجريات الجولات السابقة تؤكد بأنها كانت معارك حامية الوطيس بين المتنافسين على ترشيح الحزب الديمقراطي وبالتالي على كرسي السلطة الرئاسية في البيت الأبيض. بيد أن المعارك تلك أو هذه من المعارك التي لا ولن تراق فيها الدماء، بل ولم يقلل من أدبه أي من المرشحين، فالهدف هو تحقيق نقاط سياسية حاسمة بضرب الخصم شفهياً ومنطقياً فوق الحزام (ولربما تحته) من أجل الحصول على إعجاب وتأييد الناخبين وصولاً إلى الحصول على أصواتهم.

موضوعات الاحتكاك في جولات المنافسة السياسية بين المتباريين تركزت على الوعود بتغيير الاقتصاد الداخلي لمصلحة رفاهية المواطن الأمريكي بتوفير وظيفة لها أو له، وتخفيف نسبة الضرائب، والتأمين الصحي. وأيضاً ركز كل من المتنافسين على ثلة من الأهداف والغايات والوسائل والأدوات لتفعيل السياسة الخارجية الأمريكية في عصر الإرهاب العالمي الذي أنهى عصر الانكفاء السياسي الأمريكي الداخلي (العصر الذي تميز بالتركيز أكثر على الموضوعات والقضايا الداخلية الأمريكية وخصوصاً الاقتصاد)، وأعلن عن بداية لعصر التمدد الخارجي المرن على كافة المستويات الأمنية والعسكرية والاستخباراتية بهدف الدفاع عن الأمن القومي الأمريكي ومنع تكرار ما حدث في أحداث 11 سبتمبر عام 2001م.

الملاحظ هنا أن الغايات واحدة، والوسائل تقريباً واحدة بين كل من المرشحين المتنافسين، لكن لربما يكمن جوهر الاختلاف بينهما فيمن يجرؤ، ومن ثم ينجح، في تجديد الشعارات القومية الأمريكية تجاه مصادر المخاطر الخارجية وتحديثها وفقاً لمنطق العصر الحديث وغاياته. هنا تأتي أهمية توظيف المخاوف الأمنية للشعب الأمريكي سواء من الإرهاب العالمي (كنتيجة لأحداث 11 سبتمبر الإرهابية من العام 2001م)، أو المخاوف المصيرية اللاحقة التي تمخضت عن الغزو ومن ثم الاحتلال الأمريكي لأفغانستان ومن بعده العراق، أو الخوف من السلاح النووي الكوري والإيراني. فالساسة الأمريكيون لعبوا بأوراق المخاوف الأمنية بمهارة وبنجاح منذ أن فرضت تلك الأحداث الأمنية على الناخب الأمريكي ضرورة الأخذ في الاعتبار متغيرات السياسة الخارجية بعد أن كان قليل أو عديم الاكتراث بما يحدث في العالم الخارجي.

خلاصة القول، إن محصلة النتيجة النهائية للمتنافسين كلينتون - أوباما حتماً ستحددها محصلة التصويت للمصوتين الكبار في منتهى الأمر النهائي للمعركة، فكرسي الحزب لا يتسع إلا لمرشح واحد تماماً كما هو حال كرسي الرئاسة الأمريكية الذي لا يتسع لشخصين.

حسم المعركة على مستوى مرشحي الحزب الجمهوري أو بين المرشحين النهائيين للحزبين الديمقراطي والجمهوري مرهون برأي وتوجهات ومشاعر الناخبين الأمريكيين التي عادة ما ترتهن لمحصلة من المطالب والاحتياجات الاقتصادية وثلة من المخاوف الأمنية. ترى من سيفوز ليدخل التاريخ بسابقة سياسية عرقية أو جنسية (امرأة) لا مثيل لها من قبل؟ أخيراً هل توجد ذرة من الشك في مواقف جميع المرشحين تجاه إسرائيل، وتجاه العرب، وتجاه إيران؟ هل يكسب المعركة الرئاسية الأمريكية من يجيد اللعب بالورقة الإسرائيلية؟ أم بالورقة الإيرانية؟ أم الورقة العراقية؟ أم ورقة الإرهاب؟ لننتظر فلن نخسر شيئاً طالما بمقدورنا ولو على الأقل الانتظار والمشاهدة والتوقع.



drwahid@com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد