Al Jazirah NewsPaper Sunday  08/06/2008 G Issue 13037
الأحد 04 جمادىالآخرة 1429   العدد  13037
صخور ساخنة
بريم شوبرا

كنبرة إذا ما سألت أي مهندس عامل في مجال أنظمة الطاقة عن الطاقة المتجددة، فمن المرجح أن يقول لك إنها غير قادرة على توفير (طاقة الحمل الأساسية). أو أن الطاقة المتجددة، بعبارة أخرى، لا يمكن الاعتماد عليها في توفير الطاقة على مدار أربع وعشرين ساعة يومياً، ولمدة سبعة أيام في الأسبوع: فالرياح لا تكفي دوماً لتدوير التربينات على التلال، والشمس لا تسطع على محطات الطاقة الشمسية ليلاً، وحتى محطات الطاقة الكهرومائية قد تعجز إذا تناقصت معدلات سقوط الأمطار.

الحقيقة إن السلوك المتغير لتقنيات الطاقة المتجددة الأساسية يمثل مشكلة خطيرة بالنسبة لمخططي أنظمة الطاقة. إذ إن ذلك السلوك غير الثابت يؤدي إلى الحد من قدرتنا على استغلال القدر الأعظم من أشكال الطاقة المتجددة في تشغيل شبكات الكهرباء العالمية. وبطبيعة الحال، يتوقع المستخدمون أن تظل الطاقة متاحة بلا أي انقطاع.

يكمن الحل الهندسي لهذه المعضلة في إبقاء كمية ضخمة من طاقة الحمل الأساسي كعنصر أساسي بين الخليط المتاح من خيارات الطاقة، فضلاً عن تكميل طاقة الحمل الأساسي (بمحطات التضخيم) التي يمكن تشغيلها حين تطرأ الحاجة إليها. وتلجأ بعض البلدان إلى إنشاء مثل هذه المحطات حول أنظمة الطاقة الكهرومائية، إلا أنها عادة تعتمد على حرق الوقود الحفري، مثل الغاز أو الديزل أو زيوت الوقود المختلفة.

وطاقة الحمل الأساسي أيضاً تعتمد في الأغلب على أنواع الوقود الحفري المختلفة، حيث يتم تأمين حوالي 39% من الطاقة الكهربية على مستوى العالم بحرق الفحم. وفي بعض البلدان برزت محطات الطاقة النووية كحل بديل، إلا أن الاحتياطي العالمي من الوقود النووي ذي الكفاءة العالية يبدو محدوداً للغاية، هذا فضلاً عن التكاليف الباهظة اللازمة لتخزين النفايات على الأمد البعيد، وإخراج المحطات القديمة من الخدمة.

هذا يعني أن التحدي يكمن في تقليص اعتمادنا الحالي على الوقود الحفري والوقود النووي في توفير طاقة الحمل الأساسية. وقد يكون الحل تحت أقدامنا. إن الأرض كوكب ساخن إلى حد غير عادي. فعلى عمق ستة آلاف كيلومتر من السطح لا تقل حرارة قلب الأرض عن درجات الحرارة على سطح الشمس. إلا أن درجات الحرارة المفيدة لتوليد الطاقة كثيراً ما تتوفر عند أعماق ضحلة. لقد استخدم الإنسان هذه الطاقة الحرارية الأرضية (التقليدية) لتوليد طاقة الحمل الكهربية الأساسية لأكثر من مائة عام، وهي الآن تستخدم في العديد من البلدان، ومنها إيطاليا، وأيسلندا، واليابان، ونيوزيلندا، وغرب الولايات المتحدة.

الحقيقة أن هذه التكنولوجيا جيدة التأسيس، ويتضمن سجل توليد الطاقة بهذه التكنولوجيا ما يزيد على تسعة آلاف ميغاواط من الطاقة المولدة. بيد أن توليد الطاقة الحرارية الأرضية التقليدية يتطلب وجود مصدر طبيعي من كميات ضخمة من البخار أو الماء الساخن، ومثل هذه المصادر لا تتوفر عادة إلا في المناطق البركانية، الأمر الذي يجعل الاستفادة من هذه الطاقة أمراً مستبعداً في أجزاء ضخمة من العالم.

الحقيقة إن الوسيلة الأقرب إلى تغطية حاجة البشر إلى طاقة حمل أساسية جديرة بالثقة ومتاحة على نطاق واسع تكمن في طريقة جديدة غير تقليدية لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية، ويطلق عليها (الصخور الجافة الساخنة) (HDR). باستخدام طريقة الصخور الجافة الساخنة نستطيع أن نستفيد من الطاقة الحرارية الأرضية المتوفرة في الصخور على عمق بضعة كيلومترات من سطح الأرض. ولكن مع غياب البخار الطبيعي أو الماء الساخن اللازم لحمل هذه الطاقة الحرارية إلى السطح، يتطلب الأمر التوصل إلى حل هندسي، ولقد أنفق العالم أكثر من ستمائة مليون دولار طيلة السنوات الخمس والثلاثين الماضية على محاولات مختلفة لابتكار مثل هذا الحل الهندسي.

إن المفهوم بسيط لدرجة قد تصل إلى حد التضليل: فهو يتلخص في حفر ثقبين على الأقل إلى عمق خمسة كيلومترات من سطح الأرض، ثم حقن المياه الباردة عبر أحد الثقبين وتمريرها عبر الصخور الساخنة، ثم إعادتها إلى السطح واستخلاص الطاقة من المياه الساخنة. ثم يعاد ضخ المياه التي أصبحت باردة الآن عبر الصخور الساخنة تحت الأرض مرة أخرى. وعند السطح يتم استخلاص الحرارة فقط، ثم يعاد حقن كل شيء آخر وصل إلى السطح، مع إزالة النفايات.

ولكن يبدو أن العوامل الاقتصادية وحدها هي التي ستحدد الجدوى من استخدام الطاقة الحرارية الأرضية المتولدة عن الصخور الجافة الساخنة على الأمد البعيد، إذ إن تكاليف حفر الثقوب العميقة باهظة، ولا بد من تغطية هذه التكاليف قبل شروع محطات الطاقة في توليد الكهرباء. كلما كانت مصادر الحرارة أقل عمقاً، وكلما كانت تكاليف رأس المال أرخص، أصبحت مشاريع توليد الطاقة باستخدام الصخور الجافة الساخنة أكثر قدرة على المنافسة. والحقيقة إن التكاليف المتزايدة لتوليد الطاقة من المصادر الحفرية والنووية من شأنها أن تجعل تكنولوجيا الصخور الجافة الساخنة أكثر جاذبية، وذلك لأن الجدوى الاقتصادية بعيدة الأمد للطاقة الحرارية الأرضية محصنة ضد تحركات أسعار الوقود.

إذ إن الاحتياطي من الصخور الجافة الساخنة متوفر في كل مكان، وبوسع العديد من البلدان أن تستفيد من كميات هائلة من الطاقة الحرارية سهلة المنال. ولكن الأبحاث العلمية وهندسة الصخور الجافة الساخنة كانت تشكل تحدياً كبيراً، ولم تبدأ أول محطات الطاقة في العمل بهذه الطريقة إلا منذ وقت قريب. ففي لانداو بألمانيا بدأت محطة طاقة صغيرة في العمل مؤخراً، وثمة عدد آخر من هذه المحطات تحت الإنشاء في فرنسا وأستراليا.

سوف تعمل محطات الطاقة الأولى هذه على تنمية وتحسين الأداء التشغيلي والمالي قبل أن تتمكن الطاقة الحرارية الأرضية الناتجة عن الصخور الجافة الساخنة من إحداث تأثير ملموس على الإمدادات العالمية من الطاقة. إن إعادة هندسة أنظمة الطاقة العالمية تشكل مهمة باهظة التكاليف، بصرف النظر عن الخليط المستخدم من التقنيات، ولابد وأن تكون الأنظمة المختارة جديرة بالثقة وواسعة الانتشار.

كان الطريق إلى الطاقة الحرارية الناتجة عن الصخور الجافة الساخنة طويلاً ومكلفاً، ولكن كما هي الحال عند ابتكار أي تكنولوجيا جديدة، فلابد وأن تأخذ المشاريع البحثية ومخططات التنمية مجراها قبل أن نتمكن من الوصول إلى مرحلة الاستخدام التجاري. ومع بناء المزيد من محطات الطاقة الآن، بدأت الدلائل المبشرة تشير إلى انتشار استخدام الطاقة الحرارية الأرضية في توليد طاقة حمل أساسية نظيفة وخالية من الانبعاثات الضارة.

***

بريم تشوبرا كان حتى وقت قريب يعمل مساعد أستاذ مادة الجيوفيزياء بالجامعة الوطنية الأسترالية. وهو المدير المؤسس لشركة جيوديناميكس المحدودة، وهي أول شركة مسجلة لاستخراج الطاقة من الصخور الساخنة في العالم.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008.

خاص ب«الجزيرة»



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد