Al Jazirah NewsPaper Sunday  15/06/2008 G Issue 13044
الأحد 11 جمادىالآخرة 1429   العدد  13044
الفقر أنواع لها تفاصيل
د. عبدالمحسن بن عبدالله التويجري

الفقير من لا يملك من المال ما يؤمن له الكفاف على الأقل، ويتفاوت تعريف الفقر سواء جاء التعريف من الفقير نفسه أو أن المجتمع وفق مقاييسه يحدد ذلك، وبهذا فهو بين وواضح إلا أن تفاصيل الفقر أهم، وعلى مسارها يتحدد حال الفقير وبهذا يتكون الحافز لدى القادرين على مساعدته.

بمعنى آخر أن الفقر تفاصيل وحالات، وما يعرف به الفقير نفسه وحاله قد لا يكون مطابقاً لواقع الحال، وللمجتمع قياس آخر.

إن الفقر يولد أزمات معيشية ونفسية فضلاً عما تؤدي إليه هذه المعاناة بالنسبة لعائلته، فهي معاناة مع الفقر مباشرة وتتضاعف المعاناة حين المقارنة من قبله أو من قبل أفراد عائلته بين حاله وحال من حولهم من القادرين.

كما أن دخل الفقير الشهري متدن إن توفر له دخل، وهذا متفاوت من فقير إلى آخر، ومسؤولية من يعول أحدهم مختلفة بين الفقراء، في الوقت الذي بعض ممن حوله في المجتمع الذي ينتسب إليه بحال من رغد العيش، وحين يمعن النظر في أحوالهم يجد أن لدى البعض منهم وسيلة مواصلات أو وسائل، وسكناً فخماً، ومقدار ما يصرف على نفسه وعائلته ربما أكثر من حاجتهم وآخر أيضاً محسوب على الأغنياء إلا أنه يختلف عن النموذج الأول فوسيلة مواصلاته وسكنه ومصاريفه يحكمها الاعتدال أو أن مقدرته لا تمكنه بأكثر من ذلك.

ومن نماذج معاناة الفقير ما هو في مجال التعليم، حيث لا مورد له يمكنه من اختيار المدرسة الأفضل التي تتطلب مصاريف يتوجب دفعها لالتحاق الأبناء، وكذلك عجزه عن تأمين مصاريف قد تلحق بهذا، كذلك في مجال الرعاية الصحية لنفسه وأسرته، فالاختيارات من أمامه محدودة وغير كافية.

ووفقاً لهذه الرؤية فإن فرض الزكاة، وأريحية الصدقة قبل أن تصرف لابد أن نحيط بتفاصيل الظروف المحيطة بالفقير من معاناة نفسية وألم يعصف به إزاء الحاجة، والذي قد يؤدي به إلى دفق ماء الوجه، أو جرح كرامته حين يلجأ للآخرين الأطفال منهم، ومن خلال معاناتهم التي تفرض نفسها عليهم وعليه تشكل مصدراً يتوجب اعتباره حيث إنه مصدر ألم ومعاناة لهذه الأسرة.

وبعض الفقراء يتعففون وفي طبعهم مكارم أخلاق تزيد بأفضل حال عن بعض الأغنياء، وطبقة أخرى من الفقراء يلجأون إلى التسول والإلحاح في طلب المساعدة، وقد يكون لديه ما يفي بحاجته لكنه للفقر وبه يتاجر باحتراف، وأمام هذا كيف لنا أن نميز بين تعصمه عفته، وبين من يرى أن سلوكه مباح لا غبار عليه سواء ألح أو ادعى الفقر كذباً.

وفيما أظن أن من حول هؤلاء من يساعد على معرفة حقيقة كل واحد منهم بمصداقية وأمانة، فمن يدل على الخير له عند الله خير الجزاء.

ولأن المطلب من الإيفاء بحق الزكاة هو مطلب عابد يتوسل رضى الله. وفيما ينفقه من صدقة يلتمس المزيد من الأجر والثواب فلا شك أن هذا يحقق راحة نفسية للفاعل حيث سمات الإيثار، وعاطفة الانتماء إلا أن هذا قد لا يوجه خير ما نفعل دون معرفة التفاصيل لتساعدنا على أن تكون الزكاة أو الصدقة في مكانها المناسب، ولهذا لابد من التحري والتأكد، وبهذا تكون الراحة النفسية ومطلب الأجر من الله مبنية على أساسها الصحيح، ومن هنا أتذكر وعلى سبيل المثال أن صديقاً أعزه قد أعطى زكاته لعائلة واحدة وذلك بعد السؤال عن أحوالهم، وبعد أن وقف على أحوال هذه العائلة من خلال الاتصال بهم وزيارتهم حيث تعرف على أدق التفاصيل، وبعد هذا قرر أن يصرف زكاته لهذه العائلة فقط، وذلك بأن شيد لهم منزلاً وأثثه كما أمن لهم وسلة مواصلات معقولة فحقق لنفسه ما يحبه، وما يسعد هذه العائلة.

كما أن مردود ما فعل أسرني وأسره والسرور والسعادة بالمزيد لرب العائلة وعائلته.

فحين الزكاة أو محاولة الصدقة يجب التحقق من أحقية المرء لها لفقره، وهذا أمر لابد منه إلا أن التقصي ومعرفة التفاصيل والمعاناة النفسية للفقير وعائلته يؤدي إلى أن تكون الزكاة أو الصدقة قد أعطيت لمن ظاهر حياته وباطنها لا تناقض معه، كما أن في جهد التقصي أجر وثواب إن شاء الله.

وبهذا نحقق عطاء من النفس من خلال ما نبذله من جهد التقصي، وما نقدمه من مال يساعد على تبدل في نمط حياة الفقير ولو إلى حين.

إن مثل هذا الجهد سيميزه ويسهل مقاصده رعاية الدولة له حيث تسهل مسالكه حتى لا يتداخل ما يقدمه القادرون وفق نواياهم الصادقة إلى من يسيء استعمال هذا المال في إفساد أو تخريب، أو أن يصرف لمن لا يستحقه، وهذا لا يعفي القادر على بذل الجهد في التقصي ومعرفة التفاصيل فهو من يتعبد خالقه عز وجل بكل خير يسديه، وفق الله القصد والنوايا.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6383 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد