Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/06/2008 G Issue 13055
الخميس 22 جمادىالآخرة 1429   العدد  13055
أضواء
العُهر السياسي
جاسر عبدالعزيز الجاسر

يتداول الكتاب مصطلح (العهر السياسي) ويتلقى الناس من الصحف أو من شاشات التلفاز هذا المصطلح ويسمعون المذيع أو المحلل السياسي يردد كلمة العهر السياسي ولا يلمون تماماً بأبعاد المصطلح ومضامينه؛ إذ يمرون مرور الكرام ولا يتوقف المتلقون عنده كثيراً، وذلك لابتذال المصطلح وكثرة تداوله أو حتى لعدم معرفة معناه.

وبالنسبة لمصطلح (العهر السياسي) يجمع بعض المتلقين بينه وبين النفاق السياسي، بل بعضهم يرى في السياسة بكل ضروبها عملاً منفعياً، ويرون أيضاً أن بعض الممارسات السياسية تصل إلى عمل لا أخلاقي، وقد يكون عدم الإلمام والمعرفة بالعلوم السياسية سبب ذلك الحكم، وهي -أي السياسة- ليست علماً واحداً فقط، والذين يدرسون هذه العلوم يعلمون كم هي السياسة بريئة من تصرفات وسلوك بعض الساسة الذين ربط المتلقون بين أعمالهم وسلوكهم وبين السياسة بصفة عامة، ولعل ذلك بسبب كشف فضائح السياسيين أكثر من غيرهم لأنهم في الواجهة، ولا تُذكر حسناتهم إلا فيما ندر، فالقراء والمشاهدون يتابعون ويعرفون أخبار الدكتاتوريين والحكام الفاسدين وفضائح السياسيين عامة، أما القادة المصلحون الذين يؤدون أمانة الحكم فقلما تتحدث عنهم وسائل الإعلام، لأنهم بكل بساطة مادة غير مثيرة ولا تروج لوسائل الإعلام.

نعود لمصطلح (العهر السياسي) الذي يكون مفهوماً أكثر إذا اقترن بعرض صور مشابهة ومقارنة لفعل سياسي يمكن وصفه ب(العهر السياسي)، وأقرب مثال لهذا العهر ما تتداوله وسائل الإعلام البريطانية في مواضيع عن (سرقة) رئيس بلدية لندن الحالي بوريس جونسون علبة جلدية لحفظ السجائر من منزل نائب رئيس الوزراء العراقي السابق طارق عزيز، وذلك عندما كان (جونسون) يرافق القوات البريطانية كصحفي عند غزوها للعراق ودخولها بغداد عام 2003، ويقول جونسون إنه أخذ العلبة الجلدية من منزل طارق عزيز عندما دخل مع قوة بريطانية المنزل المدمر، وقد وجد العلبة الجلدية فأخذها باعتبارها تذكاراً وإنه لم يخف الأمر وقتئذ وروى تفاصيل ذلك في إحدى مقالاته لفخره بهذه (الغنيمة)..!!

إذن.. جونسون الذي يتبوأ الآن منصباً رفيعاً جداً (رئيس بلدية لندن) لم يخف سرقته ولكنه اعتبرها (غنيمة) حرب مثلما كان يفعل جنود الجيوش الغازية.. كجيوش الإمبراطورية البريطانية الغابرة عندما غزت واحتلت البلدان فنهب جنودها خيرات تلك البلدان واعتبروها غنيمة حرب.

تلك كانت (أخلاقية) جيوش ذلك الوقت، وهي أفعال لم تكن قاصرة على الجيوش البريطانية، ولم يكونوا أول من ابتدعها؛ فهو أسلوب ورثته الجيوش إبان القرن الماضي من جيوش العصور الوسطى، والعصور الوسطى ورثته من القبائل البدائية.

إلا أن هذه الأساليب وغنائم الحروب أصبحت من الماضي؛ فالغنائم أصبحت تجيَّر سياسياً، وبدلاً من أن يسرق الجندي -وحتى الصحفي المرافق للحملات العسكرية علبة جلدية أو جهاز حاسوب مثلما فعل الجنود الأمريكيون في العراق وينهب من استُجلب من خارج حدود العراق آثار العراق. إذ أصبحت الدول الغازية كبريطانيا وأمريكا تسرق دولاً بكاملها مثل ما حصل للعراق الذي سُرق بأكمله كدولة وسيادة وثروات!!.. وعلى وسائل الإعلام البريطانية أن تَكشفَ فضائح بلير وبوش اللذين نهبت جيوشهما خيرات العراق ولا زالت حتى الآن بدلاً من أن تكشف عن سرقة صغيرة، فالعلبة الجلدية لسجائر طارق عزيز لا تساوي شيئاً تجاه مجموع السرقات التي شهدها العراق منذ احتلاله حتى الآن.

هل فهمتهم الآن معنى (العهر السياسي)؟.. تابعوا ما تنشره وسائل الإعلام الغربية عن سرقة العلبة الجلدية.. ونسيان سرقة بلد..!!



jaser@al-jazirah.com.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 11 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد