بيروت - «الجزيرة»
تسعة عشر عاماً مرت على اتفاق الطائف الذي أخمد نيران الحرب الأهلية اللبنانية، بفضل رعاية المملكة العربية السعودية وما لها من دور ووزن كبيرين على الصعيد العربي والدولي، إضافة إلى بلدان عربية ودولية أخرى. واللبنانيون سائرون على خطى ما رسمه لهم الطائف الذي عمل على إجراء تعديلات دستورية جوهرية وتغييرات جذرية على التركيبة السياسية اللبنانية، إلى أن تحول الاتفاق إلى دستور، التزمت فيه البلاد حفاظاً على السلم الأهلي والعيش المشترك.
ما بين إقرار الاتفاق واليوم، جرت تحولات كبيرة على مختلف الصعد الداخلية والإقليمية والدولية. هذا الأمر أدى إلى اصطفافات القوى السياسية المتصارعة في لبنان، وصولاً إلى تحرك حزب الله وحلفائه في الآونة الأخيرة عسكرياً داخل الشوارع والأحياء في بيروت والمناطق. هذا التحول الجذري، دفع الفرقاء إلى التوجه إلى قطر فكان (اتفاق الدوحة) الذي دأب كثيرون إلى مقارنته بالطائف.
(الجزيرة) تفتح ملفاً تقارب فيه وجوه الشبه والاختلاف، ما بين اتفاقي الطائف والدوحة. في الحلقة الأولى تلتقي النائب بطرس حرب، النائب في البرلمان اللبناني وهو كان مرشح قوى الرابع عشر من آذار لرئاسة الجمهورية. النائب حرب شارك في الاتفاقين وواكب تطبيقهما. وكان هذا الحوار.
* أستاذ بطرس إلى أي مدى يشبه اتفاق الدوحة اتفاق الطائف، فيما الظروف كانت مختلفة، وهذا يندرج أيضا على المضمون والنتائج؟
- ظروف الاتفاقين مختلفة، عندما تم اتفاق الطائف كان اللبنانيون منذ العام 1975 في حالة حرب وتدمير وقتل وقتال وتداخل عربي ودولي، إنما اتفاق الدوحة كان بداية أحداث يمكن أن تنذر لو استمرت بمرحلة حرب أهلية، وهنا تكمن أهميته كونه منع هذا الأمر وأعطى اللبنانيين فرصة جديدة كي يلتقطوا أنفاسهم ويعودوا إلى الحوار بدل اللجوء إلى العنف.
لكن اتفاق الدوحة هو اتفاق مرحلي ولمعالجة أزمة آنية، فهو لم يعالج الأزمة من أساسها، بل وضع آلية سمحت بانتخاب رئيس وتم الاتفاق على تشكيل الحكومة وقانون الانتخاب وحقق التزام جديد بعدم استخدام السلاح وهذه تدابير مؤقتة.
اتفاق الطائف يختلف كلياً، فقد كانت هناك إعادة نظر بالدستور والنظام السياسي في لبنان، وحل لعمق المشكلة في البلاد. قبل ذلك هناك شكوى لجهة عدم مشاركة الطوائف اللبنانية، وإن دور المسلمين كان مغيباً وكانت هيمنة مسيحية على السلطة.
وتحقق اتفاق الطائف بعد أن تم التوافق على كيفية إشراك جميع الطوائف ونقل لبنان من حالة التدمير إلى الاستقرار، أما الدوحة فهو تدبير مؤقت لمنع حصول اشتباك وانهيار الدولة.
* يعني لا تجوز المقارنة بين الاتفاقين؟
- طبعا، المقارنة هنا لا تجوز، الطائف هو تغيير نظام الجمهورية اللبنانية وإنهاء حالة حرب وجمع السلاح، أما الدوحة فلم يمس الأساس ولم يتعرض للنظام السياسي بل هو اخرج لبنان من مأزق وقتي.
* لكن يقال إن كلا الاتفاقين لا يتجاوزان مفهوم الهدنة، ولا يكتسبان معنى الحلّ إلا بمقدار الممارسة السياسية بعد الاتفاق؟
- كلا، اتفاق الطائف هو حل كامل ومتكامل في وقت كان من الممكن أن ينهار البلد، فالنواب الذين ذهبوا إلى الطائف كانوا شبه هيئة تأسيسية لإعادة النظر بالدستور، كان هناك مشروع تعديل للدستور وللصلاحيات الموجودة فيه الموزعة على الرؤساء الثلاثة. الطائف يشكل محطة تاريخية على الصعيد الدستوري والسياسي في لبنان..
أما اتفاق الدوحة فهو مجموعة تدابير وليس اتفاقات باتجاه إعادة تكوين السلطة في لبنان، تدابير اتخذت دون إدخال تعديلات على النظام السياسي وإعادة النظر به. هذا الاتفاق يشكل محطة مهمة وتاريخية باعتبار انه منع حصول انفجار وسقوط السلطة.
* لكن ألا توجد وجوه شبه بين الاتفاقين؟
- في الشكل هناك رعاية عربية، ودولة عربية استضافت المؤتمرين وواكبت بجدية تفاصيل المباحثات والمناقشات وكانت راعية ومتدخلة لحل المشاكل عند بروزها في المناقشات.. لكن المضمون وشكل العمل يختلفان..
* وهل كان هناك اختلاف من ناحية المدة الزمنية؟
- نعم، الاتصالات والمباحثات في الطائف استمرت أربعة وعشرين يوما. وكان النواب يجتمعون في جلسات يتباحثون خلالها. وقد تألفت يومها لجنة سميت (لجنة العتالة) - أي الأحمال الثقيلة - من سبعة عشر نائبا يمثلون الكتل السياسية وكانوا يجتمعون ليل نهار. بينما الأسلوب الذي اعتمد في الدوحة هو مغاير كليا، إذ كانت هناك جلستان فقط، الافتتاح والختام لإعلان النتيجة. والأطراف لم يجتمعوا في جلسة مشتركة إلا من خلال لجنة مصغرة.
والوقت الذي تطلبه الطائف كان أطول نظرا لحجم القضايا، بعكس الدوحة حيث كان هناك ثلاثة مواضيع اخذوا ثلاثة أيام لمعالجتها.
* هل التوصيف صحيح بأن اتفاق الدوحة أعاد تثبيت الطائف؟
- نعم، هو أكد على الطائف الذي هو ابعد مدى وأعمق كاتفاق وطني.. وهنا أشير إلى انه لو تم تنفيذ كل ما اتفق عليه في الطائف، ما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه. فالوجود السوري آنذاك في لبنان هو الذي منعنا من تنفيذ اتفاق الطائف، وأنا كانت دعوتي باستمرار لتنفيذه والبحث في الثغرات لمعالجتها، وإذا كان لا يوجد ثغرات، فلننفذه، لأن هناك اتفاقاً وإجماعا وطنياً عليه.
* ترى أنه كان في الدوحة، خروج عن بعض البنود التي توصل إليها الطائف؟
- كلا، لكن هناك ظروف استثنائية فرضت علينا أن نخرج عن بعض المبادئ التي حددت في الطائف نتيجة الصراع الذي حصل. يعني للمرة الأولى وبصورة استثنائية، حددت نسب المعارضة والموالاة قبل تشكيل الحكومة وهذا يتناقض مع القواعد. لكن كان لابد من اتخاذ هذا الحل الاستثنائي لأننا كنا في وضع يستدعي تدبيرا استثنائيا. لكن ما تم الاتفاق عليه في الدوحة لن يتكرر، ولا يمكن أن يتكرر،لأننا نكون عندها ضربنا الطائف وهذا لا يجوز باعتبار أن الطائف يشكل الاتفاق الوطني.
* ماذا يمكن القول عن دور المملكة العربية السعودية في التوصل إلى اتفاق الدوحة؟
- معروف أن المملكة ساعدت لبنان، منذ اليوم الأول لتعكير الجو السياسي والأمني في لبنان مؤخراً، أي منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري في شباط العام 2005 ميلادية، وهي آزرت اللبنانيين في مناسبات عدة للإتيان بالآلية الملائمة لحل المشكلة الناتجة عن الصراع الحاصل، بسبب الموقف السوري الرافض لأي تسوية وبنتيجة السلبية الكامنة في العلاقة مع سوريا. هذا الأمر جعلها ترحب بأن يأخذ طرف آخر المبادرة، فيما الصراع السوري معها، عطل إمكانية أن تقوم هي بمبادرة مباشرة شبيهة بالتي حصلت في الدوحة.
لكن يجب أن لا ننسى أن للسعودية كلمة ووزناً كبيرين في الجامعة العربية، والقرار الذي اتخذ في اجتماع وزراء الخارجية العرب، كان للمملكة دور أساسي فيه وهي التي وافقت وشاركت في تأليف الوفد إلى بيروت ورافقت المهمة التي نفذتها اللجنة العربية في الدوحة. لذلك نقول إن الدور السعودي إيجابي ومشكور، سواء أكانت حاضرة شخصيا في المؤتمر أو دعمته من بعيد. مما لاشك فيه إن للسعودية تأثيرا كبيرا على مجرى الأمور في لبنان، ولا سيما أن اللبنانيين يتعاطفون في معظمهم بصورة عامة، مع بعض الاستثناءات، مع موقف المملكة، وهم لا ينسون ما قدمته لمساعدة بلدهم على الصعيد السياسي أو الاقتصادي والعمراني.
* هل رعاية قطر لاتفاق الدوحة جعل منها اللاعب الأبرز حالياً في لبنان، وانسحاباً إلى المنطقة؟
- أمير دولة قطر وفي الجلسة الأولى للمؤتمر كان له موقف لافت بأن قطر تدرك حجمها ودورها ولا تريد أن يكون دورها اكبر من قدرتها، وهذا يعني بدون شك أن قطر دولة صديقة وشقيقة للبنان، إلا أنها تدرك موقعها في التركيبة العربية ولا سيما الخليجية.. وهذا ما دفع أمير قطر إلى القول إننا لا نأخذ دور غيرنا، بل نحن نحاول المساعدة ونسهل وفاق اللبنانيين..
أنا لا اعتقد أن هناك بساطا يريد أن يسحبه أحد من الآخر.. وهنا الفت أن بساط السعودية هو بساط أصلي، وارتباط المملكة العربية السعودية بلبنان ليس ظرفي بل تاريخي وهناك علاقة خاصة ومميزة منذ أيام المغفور له الملك عبد العزيز وهي علاقة لم تتوقف يوما، ولم تبخل السعودية يوما على لبنان بالمساعدة والمؤازرة، لذلك موقع السعودية ودورها لا أحد يستطيع أن يأخذهما. قطر مشكورة بجهود أمير دولتها ورئيس مجلس وزرائها لقدرتها في الوقت المناسب على إخراج لبنان من الحلقة المفرغة وبتكليف من الجامعة العربية بما فيها المملكة العربية السعودية.