Al Jazirah NewsPaper Friday  11/07/2008 G Issue 13070
الجمعة 08 رجب 1429   العدد  13070
البنت والولد
نادر بن سالم الكلباني

هل تذكرين؟.. كيف كنا نرقبهم بقلوبنا وهم أمامنا يلعبون، وكيف كانوا يجوبون المكان عدواً وقفزاً وهم يضحكون، ويتجمعون على قطعة حلوى أو على لعبة صغيرة ثم يتشاجرون، وهل تذكرين كيف كنا نسابق الخطى لنفض النزاع بينهم، ونوبخهم وربما ضربنا أحدهم على يده قبل أن يعودوا ثانية فيتصالحون، ويملؤون المكان صخباً يطربنا، وضجيجاً يسعدنا، وشقاوة تبهجنا، فنختلس اللحظات لنهمس بكلمات حب وهم عنا غافلون.

هل تذكرين؟ كيف كنا وهم صغار نغرف منهم الحنان، وكنا ونحن نراهم أمامنا نلتحف الأمان، ونروي لهم الحكايات فيجرفنا خيالنا الحالم، فتكونين أنت البنت وأنا الولد.

هل تذكرين؟ كيف كنا نصنع بهم ولأجلهم أجمل الأحلام، ونقفز لراحتهم الصعاب ونتجرع الآلام، ونسهر خوفاً عليهم والليل ينام، ونحن نغني لهم هوها يا هوها والكعبة بنوها، حتى إذا ناموا أبقيتي نصف قلبك معهم يتفقدهم، ويحرسهم، وذكر اسم الله عليهم حتى لا يخافوا الظلام، واحتويتني بنصف قلبك الآخر تعينينني على ثبات الخطى وتسمعينني أعذب الكلام.

هذ تذكرين أول كلماتهم، وخصامنا على أنهم نطقوا اسمي قبل أو اسمك، وكيف غمرت السعادة قلبينا عندما رأيناهم على أربع يحبون، وكيف أطال الشوق انتظارنا متى يمشون، ومع كل خطوة يخطونها نرتعد خوفاً خشية يسقطون، حتى إذا خانت أحدهم رجلاه الصغيرتان وسقط، عدنا ثانية لنتخاصم ونحن نتراكض أينا يسبق إليه، وألومك تارة وأنت أخرى تلومين.

اليوم ياعزيزتي كبر الصغار، واشتعل رأس رفيق دربك شيباً عسى مع ما أخذ الزمن منه قد أبقى له شيئاً من وقار، وتفرق أحبابنا في دروب حياتهم ليبحثوا بدورهم عن صغار، يرعونهم ويجلسون كما جلسنا يرقبونهم وهم يلعبون ويتخاصمون، ويسرقون اللحظات ليقولوا كلاماً يشبه ما كنا نقول، على أنهم يا عزيزتي وإن غيرت صورهم سمات الكبار، لا يزالون في أرواحنا كما كانوا صغارا، تنبض قلوبنا مع كل خطوة يخطونها، وتكبر أحلامنا مع كل بسمة يظهرونها، ونظل ننتظرهم لنغرف منهم كما كنا نفعل دائماً الحنان، ونلتحف بوجودهم من حولنا الأمان، ونروي الحكيات لهم ولأحفادنا، ويجرفنا ثانية خيالنا الذي لا يزال حالماً، فتكونين أنت كما كنت دائماً البنت وأنا الولد... والله المستعان.



naderalkalbani@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد