Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/07/2008 G Issue 13075
الاربعاء 13 رجب 1429   العدد  13075
نفوس لا تتعب
نادر بن سالم الكلباني

النفس تتألم بلا شك، فيما يمر به الإنسان في مراحل عمره لا بد وأن يمكون فيه مساحات للألم، والنفس قد تتعايش مع ألمها حتى تألقه وتعتاده، فلا يعود يُحدث فيها ما كان يُحدثه في بداياته إن سلمت من التعب. فتعب النفوس أمضى من ألم يلحق بها. وعلى هذا أقول إن النفس لا يتعبها ألمها من نصب أو ضرر يصيب الجسد وإن تفاعلت معه، ولا يتعبها ألمها من ظلم حبيب أو جفوة قريب أو جحود صديق فرجع الألم شعور بقيمة ولذة نقيضه، يبعث في النفس أمل يعزز ثباتها إن تثبتت بما هو حق ليقوى عزمها على تخطي حال سيذهب وإن طال بقاؤه، وإلا لتعبت نفس بلال رضي الله عنه وعدوه يحدث على جسده وبحسب اتساع رقعة الفرصة التي سنحت له أكبر قدر ممكن من الأذى، وهو في موقفه وحيد بين الناس لا حول له ولا قوة، لولا أن نفسه تعلقت بالحق المبين وربطت حاجتها مع حبيبها مجيب الدعوات ومحقق الحاجات الذي لا خذل من علق حاجته به سبحانه، فكان رجع الألم الذي ثارب مع كل جزء في جسده رضي الله عنه واختبرته نفسه، أمل يكبر ورجاء يعمر مع كل نبضة ألم يستشعرها جسده قبل أن تطعمها نفسه في واحد أحد صان نفسه من الشعور بالتعب.

أكثر ما يتعب النفوس إلحاح رغباتها وحاجاتها المصحوبة بخيبة الأمل، عندما يرتبط استكمال هذه الحاجات أو الرغبات بمن لا يملك القدرة المطلقة على تحقيق كل الآمال، فإن علق المرء حاجات نفسه على أمله في الناس، ناله من الناس ما هم أهل له، فتتعلم نفسه أن تتكسر استعطافاً لعون من الناس لا يتحقق في الغالب إلا بعد منّة وذل أو رجاء في أمر لا يصرفه الناس له ما لم يستوفوا ثمنه، ويختبر في الناس ظلم الحبيب وجفوة القريب وجحود الصديق، فتتعب نفسه بتكرار خيبة أمله وإن كابر وادعى غير ذلك، ولك أن ترى في واقعنا نفوس تتعب وحياتها كلها كما يظن غيرها رخاء، وأخرى سعيدة لا تتعب وحياتها كلها كما يظن غيرها شقاء.

التثبت بالحق هو الأصل الذي يصون النفوس من شعورها بالتعب، ولا حق غير الحق سبحانه، فمن تعلقت آماله به دون غيره، ناله من الحق ما هو أهل له، وصان نفسه من التعب وإن تقلبت به حاله أو جار عليه زمانه وأهل زمانه... والله المستعان.



naderalkalbani@hotmai.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد