Al Jazirah NewsPaper Wednesday  16/07/2008 G Issue 13075
الاربعاء 13 رجب 1429   العدد  13075
هكذا تتغير الاتجاهات وهكذا يتم الإصلاح
د. زايد عجير الحارثي(*)

إن الاتجاهات بمفهومها البسيط هي الآراء والانطباعات والاعتقادات عن أشياء أو أشخاص والتوجه نحوها مثل ذلك هو توجهاتنا نحو الصناعة المحلية أو السعودة أو قيادة المرأة للسيارة أو مهنة التمريض أو الدروس الخصوصية أو المدارس والتعليم الأهلي أو غيرها من الاتجاهات والآراء.

أما الاتجاهات بالمفهوم العلمي كما يعرفها البورت فهي (حالة استعداد عقلي وعصبي، منظمة حول الخبرة، يوضح تأثيراً ديناميكياً مباشراً على استجابة الفرد لكل الموضوعات والمواقف التي تتعلق بها).

والاتجاهات لها افتراضات تقوم عليها منها: أنها خبرات ذاتية لبعض القضايا أو الموضوعات، وهي خبرات تتضمن حكماً تقييمياً ويعبر عنه من خلال اللغة، وأخيراً وليس آخراً فإن الاتجاهات مرتبطة بالسلوك الاجتماعي، وبدون سلوك اجتماعي فإنها لا تظهر.

ولا شك أن المفهومين: الدارج، والعلمي، ليس بينهما اختلاف كبير إلا في التفاصيل الدقيقة الإجرائية، أما المفهوم الذي يفهمه الناس بصفة عامة فهو شيء واحد، وهو إننا نشكل آراء أو اتجاهات نحو أشياء أو مواضيع أو أشخاص بشكل يكاد يكون راسخاً ومتداخلاً مع المعتقدات والقيم حتى ليظن البعض أنه من الصعب تغييرها لأنها من شدة رسوخها تكتسب قوة الوراثة أو قوة القانون، وهذا ما جعل كثير من الاتجاهات السلبية تؤثر في حياة الناس الاجتماعية، وأحياناً تسهم في تأخر نموها وتقدمها وتطورها، بل وهي من علامات التخلف أحياناً. ويكمن سر الاهتمام بهذه الاتجاهات وتأثيراتها أن هناك خلطاً بين الاتجاهات المكتسبة التي تتشكل نتيجة انتقال عادات أو أعراف ما أنزل الله بها من سلطان، ثم ترسخ في أذهان وممارسات الناس وحينئذ تؤثر في اتجاهاتهم وأفعالهم، ويأتي حينئذ المنظرون والمسؤولون يبحثون عن كيفية تغييرها أو إزالتها من أذهان الناس ومن سلوكياتهم لأن طبيعة الحياة في تغير ومواصفات الوظائف والأعمال والأدوار الاجتماعية تقتضي الاستجابة لمواكبة المستجدات، على سبيل المثال: الاتجاهات نحو الأعمال المهنية واليدوية كانت إلى عهد قريب من الأعمال المعيبة اجتماعياً في بعض المجتمعات النامية، ومنها مجتمعنا مما حدا بالاعتماد إلى حد كبير في مثل هذه الأعمال على الأيدي الأجنبية، وكذلك الحال مع مهنة التمريض بالنسبة للرجال والنساء في مجتمعنا السعودي مما ترك الأثر السلبي الواضح على التطور والتنمية في بلادنا فظل الكتاب والمخططون يتحدثون في واد عن ضرورة إشراك أبناء المجتمع في مثل هذه الأعمال، وواقع الحال يحكي قصة أخرى، وظلت النظريات تراوح مكانها والعجلة تدور والاستجابات والمناشدات لا تحدث التأثير المطلوب، لماذا؟

إن تغيير الاتجاهات وما يترتب عليه من تغيير في السلوك والأفعال تتطلب أكثر من مناشدة أو إعلان أو بيان.. تتطلب ممارسات بالقدوة، ومن المؤثرين على وجه الخصوص فضلاً عن المناقشات والمشاركات الجماعية والأساليب الفنية التي ثبت نجاحها في تغيير الاتجاهات بين الشعوب المختلفة، وفي كثير من تجارب الأمم أمثلة حية عليها.

ومما يبشر ببداية حقيقية لمثل هذا التغيير ما نشر خبراً وصورة عبر صحفنا المختلفة ومنها صحيفة الجزيرة الغراء لمعالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي في يوم الثلاثاء الموافق 20 جمادى الثانية 1429هـ (وزير العمل يعمل مضيفاً في مطعم بجدة لمدة ثلاث ساعات) وقد جاءت صورة معبرة لمعالي الوزير وطاقم الوزارة وبرفقته معالي أمين عام مجلس الوزراء الدكتور عبدالله السدحان، ومعالي محافظ المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني الدكتور علي الغفيض، وبعض الرموز الفاعلة في البلد.

وتقديم الضيافة والخدمة من قبل معالي الوزير في أحد المطاعم للشباب المرتادين للمطعم يحدث تأثيراً فاعلاً، فماذا نظن حينما يشاهد شباب البلد المترددون في الأعمال اليدوية أو المهنية؟ أو مضيفين في مطاعم أن يقولوا أو يفعلوا وهم يشاهدون من يعتبر أعلى سلطة في المؤسسة المعنية بهذه القضية وهو يمارس ما كانوا يعتقدون أو يرونه معيباً؟!

أرى أن مثل هذا الحدث التاريخي يجب أن نتوقف عنده كثيراً فهو ليس من قبيل الدعاية أو الصورة التجميلية للوزير أو المسؤولين، بل إنه رمز لتوجه ذي مغزى يجب أن نكرس الاهتمام به وتعظيمه، فلو كل مسؤول أو شخصية نافذة يسلك ما سلكه القصيبي ونزل إلى الميدان في مناسبة أو أكثر واستثمر الإعلام ووسائله الاستثمار الأمثل لمثل هذه القضية ولكثير من قضايانا التي تتشكل اتجاهات سلبية نحوها، وهي التي تعيق تطورنا وتتعارض مع التنمية في بلادنا ولا تمس ثوابتنا لتسارعت الخطى في التغير الإيجابي بشكل أكبر ولترجمنا الأقوال إلى أفعال، وهكذا يتم التغيير والإصلاح.

(*) عميد معهد البحوث العلمية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد