Al Jazirah NewsPaper Monday  21/07/2008 G Issue 13080
الأثنين 18 رجب 1429   العدد  13080
الحبر الأخضر
الجنازة حارة (2-2)
د.عثمان العامر

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي اهتزت القناعات العربية التي كانت متسربلة بالشيوعية حتى النخاع وسقط الفكر الاشتراكي العربي وإن ادّعى بعض أقطابه ومنظريه العرب أنه ما زال متواجداً وفعَّالاً في الشارع العربي ولا يمكن إسقاط الفكر- حسب قولهم - على التجربة الروسية فحسب، إذ لا يعدو المشروع الروسي أن يكون محاولة تطبيقية واحدة مثلها عدة محاولات عالمية لتطبيق الاشتراكية الماركسية متواجدة على وجه هذه المعمورة وما زالت فاعلة...

... وبعد حرب الخليج الثانية وغزو العراق الكويت سقط الفكر القومي العربي وعرف العقلاء من القوميين أنهم كانوا يساقون بالشعارات وألا وجود في أرض الواقع لما يُعرف في القاموس العصري بمصطلح (القومية العربية)، وبعد موجة الإرهاب والتطرف التي بلغت ذروتها عالمياً فيما عرف بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقدرة الغرب على توظيف ما أطلق عليه عالمياً (الحرب على الإرهاب) التوظيف الأمثل لضرب التيار الإسلامي بجميع أطيافه دون تفريق بين الجماعات المتطرفة والمعتدلة وكذا الأفراد والدول والمجتمعات، خسرت الجماعات الإسلامية بلا استثناء، بل حتى بعض الدول الإسلامية والمؤسسات الدعوية الرسمية وشبه الرسمية المصرَّح لها والمدعومة دولياً خسرت الكثير من غنائمها التي كسبتها في العالم قاطبة وتقهقر الجميع إلى خط الدفاع بعد أن كانت الدعوة الإسلامية تشرِّق وتغرِّب وتُفتح لها القلوب قبل الأبواب، بل توجه لها الدعوة رسمياً ويرحب بها في المؤتمرات والمنتديات الدولية عامة والغربية على وجه الخصوص، وكشفت (الحرب على الإرهاب) أن بعض هذه الجماعات وللأسف الشديد كانت تخفي خلاف ما تعلنه من منطلقات وأهداف وتتناقض مع نفسها ومنهجها في كثير من تصرفاتها وأعمالها ولذا صارت لدى الراصدين المحايدين والدارسين المختصين في التيارات الفكرية الإسلامية مصنفة في خانة الإرهاب دعماً ومؤازرة وتخطيطاً، وبناءً على المعطيات التي أفرزتها هذه الأحداث دخلت المنطقة العربية ما يُسمى بعصر العولمة وهي مفككة القوى الثقافية ضعيفة اللبنات الفكرية الأمر الذي دفع التيار العلماني لتسويق نفسه من جديد ولكن ليس كما هو الحال في فترة ما بعد سقوط الخلافة الإسلامية وإنما تحت ستار الحرية الشخصية (الليبرالية) والديمقراطية العربية الحرة، ومن باب الاستقراء المستقبلي للتكور والتجاذب الفكري خاصة بين المشروع الإسلامي والليبرالية الغربية في منطقة الخليج - التي ربما كانت ذات خصوصية أكثر قبل هذه الأحداث - كتبت قبل ما يقرب الخمس السنوات دراسة علمية متخصصة عن (ثقافة الشباب الخليجي - رؤية مستقبلية)، وقلت في خاتمتها يمكن القول من باب التغليب وبناءً على ما بين أيدينا من مؤشرات وليس رجماً بالغيب أو ادعاء بقطعية العلم لما سيكون في المستقبل قلت إنه:

* سيكون للعلمانيين ظهور مؤقت على الساحة الثقافية في كثير من دول الخليج العربي بسبب الدعم السياسي والثقافي الخارجي ولما تتمتع به الأطروحة العلمانية العربية من تكامل شكلي في جانبها النظري، ولكونها ترفع دوماً شعارات برَّاقة تتوافق مع ما في النفس الإنسانية من غرائز ونزوات، في حين أن المشروع الإسلامي اليوم ليس له هوية واحدة ولا منهج بيِّن، بل هويات مختلفة ومناهج متعددة ولم يكتمل تنظيراً من جهات عدة، وليس لديه حلول ناجزة وواقعية لعديد من الظواهر التي تمثِّل إشكاليات في الواقع الخليجي ولذا سيكون عاجزاً عن المدافعة الفكرية بالشكل المتأمل منه في هذه المرحلة، بل ربما سيكون أقرب إلى المشاريع الشخصية ذات التوجه الذاتي في التغيير والبناء. إلا أن الظهور المؤقت للمشروع العلماني سيختفي بسبب الوهم الأيديولوجي الذي ينطوي عليه ولفشله في التلاؤم مع العقلية العربية الإسلامية، ولعدم قدرته على التماسك والصمود أمام النقد حين التطبيق في موطنه الأم فكيف به في بلاد ذات صبغة إسلامية صرفة، ولطغيان الجانب العدواني على الجانب الحضاري - الثقافي النظري فيه خاصة في (فلسطين والعراق) إضافة إلى تجذّر الثقافة الإسلامية وقوة مؤسساتها في المنطقة.

* باسم المزيد من الحرية والديمقراطية ومحاربة الظلم الاجتماعي وتكريس شعارات حقوق الإنسان خاصة الأقليات وما تتمتع به من مساندة من النفوذ الأجنبي (الضغط السياسي والاقتصادي) سيزداد حضور الثقافة الغربية على الساحة الإعلامية والرسمية والمؤتمرات الدولية إلا أنها ستقاوم بشدة بواسطة الثقافة الشعبية الرافضة مثلما حدث في ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.

* ستتنامى قوى التفكيك للثقافة الخليجية رغبة في تفكيك المرجعية وتفتيت القوى المقاومة، وسيولِّد ذلك صراعاً تكون الغلبة في البداية لقوى التفكيك، لكن لتعجله النتائج من جهة واصطدامه بالعديد من القضايا الراسخة في ثقافة المنطقة من جهة أخرى سيفشل في إعادة التركيب وسيصبح مع الزمن عنصراً وخلية للفساد والإفساد، وسيحسم الصراع في جولته النهائية لصالح الثقافة الأصيلة، وسيسود المشروع الحضاري الثقافي الإسلامي على الصعيدين القيمي والثقافي، وسيكون للعلماء دور هام في هذه المرحلة، ليس هذا فحسب، بل إنني أشرت إلى ما سيفرزه هذا المشهد من صراع، وحاولت تأطير الصدام الثقافي الخليجي زمنياً في السنوات العشرين القادمة، وقد مضى منها ما يقارب الخمس السنوات وبقي الكثير والله هو العالم بما سيكون..



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد