Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/07/2008 G Issue 13089
الاربعاء 27 رجب 1429   العدد  13089
مركاز
الكنز
حسين علي حسين

عندما يرحل رجل مسن فإن ذلك يكون بمنزلة احتراق مكتبة بكاملها) هذا ما يقوله (أمادو همباطي با) في كتابه (لا وجود لمخطوطات صغيرة - ص 17) تأملت هذه العبارة القصيرة، وأخذت أفكر في الفرص العديدة التي كانت أمامنا، لرصد وتوثيق ما لا حصر له من العادات والتقاليد واللهجات، لكننا للأسف لم نستغلها كما ينبغي، وحتى الذين قدر لهم أن يسجلوا شيئاً من ذكريات كبار السن، عن الأيام الخوالي، احتفظوا بها في الأدراج وأجهزة التسجيل، وبعضهم أخذ منها ما يهمه، ورمى أو أهمل الباقي، ونحن حتى الآن ليس لدينا شخص باحث قدم رصداً لعشرات الألعاب في المملكة العربية السعودية، ألعاب الصحراء والمناطق الساحلية والمناطق الزراعية، لا أحد قدم جديداً في هذا المجال، وربما لو أراد أحد فعل ذلك، لما وجد من يدعمه مادياً لإنجاز مشروعه، فقد أصبحنا ننظر لتراثنا بعين الريبة والشك، خصوصاً إذا كان هذا التراث يمت للغناء والرقص بصلة، وهو ما تمثله ألعاب شائعة مثل: المزمار، الرديح، الزير، الدلوكه، الخبيتي وغيرها!

أما الملابس والحلي فقد وجدت العديد من الباحثين والباحثات الذين رصدوها وصفاً وتصويراً، وقد رأيت ثمرة هذه الجهود في الأسبوع الثقافي السعودي الذي انعقد في مصر العام 2006م، ورأيتها في العديد من الدراسات التي توفرت على دراسة تطور الحياة الاجتماعية في المناطق الوسطى والغربية والجنوبية بالذات، وهي جهود مشكورة، وإن كانت هذه الجهود بحاجة إلى عناية أكثر من حيث تقديم أفلام تسجيلية أو دراسات في أقسام علم الاجتماع في الجامعات السعودية، فنحن في أمس الحاجة إلى معرفة كيف كنا وكيف أصبحنا، وهل استطعنا تطوير بعض ما كنا عليه وعكسه على حاضرنا، كما يحصل من قبل العديد من مصممي الحلي والأزياء في العالم فالذي لا ماضي له لا مستقبل له!

وكاتب هذه السطور ابن رجل معماري كان يخطط المنزل قبل أن يبنيه على الأرض يحدد الغرف والمناور والحمامات والمداخل، وكميات الماء والطين والحجر، يحدد كل شيء بدقة متناهية، وتصمد المنازل التي بناها أكثر من نصف قرن، وهي عصية على مياه الأمطار وروائح الحمامات، وباردة في الصيف ودافئة في الشتاء، كيف تعلم كل ذلك، وهو لا يقرأ ولا يكتب، ولم يدرس أصول البناء في كلية الهندسة، لم يدركنا العمر أنا ووالدي لأرصد وأتعلم وأعرف شيئاً عن أسرار البناء، ولم يسأله أحد عن ذلك -كما هو متوقع- أخذ هذا العلم عمن سبقه من المعلمين الكبار الذين بنوا القلاع والسدود ورصفوا الطرق بالحجارة السوداء الصلدة، هل هناك من سجل ورصد بالصوت والصورة، فنون المعمار بالحجر والطين في المدينة المنورة، قبل أن تنقرض كافة المعالم التي نعرفها في وسط المدينة خصوصاً، وهناك عند خط سير القطار ومنابع أو مجاري السيول، وهل هناك من رصد المعمار الحجري العبقري في مناطق عسير ونجران والطائف ومكة المكرمة!

لقد أخذني الحماس في السنوات القليلة الماضية فأخذت أبحث عن بعض من كبار السن لأسجل معهم بعضاً من ذكرياتهم عن السنوات الخوالي، فوجدت كنزاً من المعلومات، أخذت منها ما أريد وتركت ما لا أريد، وقد كلفتني هذه المهمة الفضولية الكثير من الجهد، جهد كتابة الأسئلة وطرحها ثم تفريغها ثم إعادة صياغتها، وفي كل مرة كنت أسأل نفسي أين المتخصصون عن هذه الكنوز المعلوماتية التي تقبع في صدور آبائنا وأجدادنا دون أن تجد من يأخذها ويخزنها ويعرضها على الأجيال، لتكون زاداً يستفيدون منها في دراساتهم وأبحاثهم وحياتهم اليومية، وما زالت عبارة الكاتب النيجيري بلغة (الفلاني) تلاحقني فهل هناك من يتدارك المعلومات الكثيرة المتناثرة في صدور كبار السن قبل أن تضيع؟!



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5137 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد