Al Jazirah NewsPaper Wednesday  30/07/2008 G Issue 13089
الاربعاء 27 رجب 1429   العدد  13089
المستقبل وعلاقته بالتاريخ المشترك
د. عبد المحسن بن عبد الله التويجري

إنّ في قدرة التاريخ على الاستيعاب ورصد الحدث لكل أمةٍ ما يغري بمحاولة فهمهِ والإحاطةِ بكتابه؛ حيث تتسع رحابه لأمم ضاقت بنفسها وضاق بها، كما أنه يواكب في مسيره أمماً قريبة العهد به فيسجل لها ما أنجزته للحضارة..

..أو أن ما أنجزته يضعه وفق مساره المادي بمعزل عن مفهوم الحضارة الإنسانية فهو إنجازٌ بجهدٍ اعتمد على معطيات الأرض بعيداً عن إلهام السماء، وإن عمرت به الأرض فمداهُ قصيرٌ ومسيره رهنٌ لقوته المادية، واتساع نفوذه سعياً للهيمنة على مصائر أمم أخرى وفق نهمٍ لا يشبع ظاهره أكرم القيم، وباطنه مفرّغ منها وإن ادعى غير ذلك، ولهذا فإنّ فناءه في قوته بل فناء كل عماره المتداخل قبيحه مع أحسنه ليمتد ضرره مدمراً الأرض ومن عليها.

ومن الأمم من يستحي التاريخ أن يسطر عنها شيئاً في كتابه حيث إن دول هذه الأمم أباحت لنفسها التوسع والانتشار في أرض الغير تستعمرُ الإنسان والكثير من خيرات أرضه، وهي أممٌ لا يربطها تاريخٌ مشترك وإن تطلعت إلى مستقبل مشترك، وهذا مشهد تجسده الأيديولوجية التي بها قام الاتحاد الأوروبي ولا زال سعيه نحو إنجاز خطواتٍ منتظرة ومن الأمم من تاريخها مشترك ومستقبلها كذلك، ويؤيد هذا أن دين الأغلبية واحدٌ، وأن اللغة كذلك كما هي الحال بالنسبة للعرف والتقاليد، ويؤكد ماضي تاريخها، العظيم من الإنجازات بعطاءٍ حضاري متميز؛ حيث إن الوسيلة لكل غاياته استمدها من وحي السماء وبفاعلية ما تُعطي الأرض وتمكّن منه نحو واجب التكليف الذي هبطت رسالته من السماء فحقق انتشاراً لهذا النور الإلهي بعدله وكل قيمه الخيّرة، وكل هذه المعطيات التاريخية تحتم أن يكون المستقبل مشتركٌ كما هي الحال بالنسبة للتاريخ.

إن مصادر المعرفة تتعدد بتعدد الاختصاص وفق حاجة الإنسان لها، وكتابُ التاريخ أحدُ هذه المصادر، ويتميز بأنه يستوعب الإنسان وما يحيط به من فعلٍ وردّ فعلٍ لأحداثٍ مختلفة فنتعلم من ذلك الشيء الكثير، ومن خصائصه أنّه لا يراعي مزاج أحد منّا بل نحن من يراعي مزاجه، فسرده مزيجٌ من الأشياء في كل شيء الشر والخير، القبيح والحسن، فعينه على الزمان والمكان ترصد كل فعلٍ والفاعل والمفعول، ومن يراجع بعضاً من محتواه يجد الفرصة المتاحة للتأمل والتفكير والمقارنة فيتمكن من تقييم زمانه كما يتعرف على بعضٍ من أمانيه لأمته والإنسانية، والفرصة متاحة أيضاً ليحكم على مساره في المكاسب والتجارب والعبر.

إنه التاريخ الذي أنبأنا بقيمة المشترك منه لأي أمة ومدى علاقته بالمستقبل، ووفق ما يمكن استنتاجه نتلمس الطريق نحو مستقبل مستقر بأمنه وعدله وقوته، ومن خلاله نتعرف على مصير كثير من القوى متى تجبرت وطغت، وكذلك المصير لمن أباح واستباح مكاسب الغير فاحتوى من الأرض خيراتها متجاوزاً إنسانية الإنسان وكرامة وجوده إنه يرفض الأهواء والدسائس، ومع ذلك يسجلها وينقل أحداثها مع بيان الوسيلة والهدف ومن خلال علاقته الوطيدة بالمعطيات الجغرافية تتكامل الصورة فيما يرويه من فعل للزمان أو المكان.

إن سطور كتابه لا تخفي شيئاً من تفاعل الإنسان مع ظروف زمانه ومكانه، والناتج مزيدٌ من المعرفة في هذا المجال.

أيها التاريخ، في كل ما تروي تغرينا بطلب المزيد؛ فنحن نتعطش للمعرفة وبالذات أن نعرف أنفسنا من خلال نفوس الآخرين وفق تفاعلهم مع معطيات الزمان والمكان.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6383 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد