Al Jazirah NewsPaper Friday  01/08/2008 G Issue 13091
الجمعة 29 رجب 1429   العدد  13091
ماذا يرتب للسودان؟
سعد بن عبدالقادر القويعي

تبالغ وسائل الإعلام الغربية - كعادتها - حين تذرف دموع التماسيح بتضخيم كارثة دارفور، ووصف الأوضاع الإنسانية هناك بأنها وصلت إلى الحياة المأساوية والكارثة الكونية، واتخاذ الأزمة وسيلة لإشعال الرأي العام. في ظل غياب الإعلام العربي الذي لم يول قضية دارفور الاهتمام الكافي، بل أكد أكاديميون وباحثون وصحافيون في مؤتمر عقد قبل أيام في القاهرة: أن البعد الإنساني لم يجد حظاً كبيراً في التغطية الإعلامية العربية، ناهيك عن التعقيدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إقليم دارفور تمثل مساحته خمس مساحة السودان، وتعادل مساحة فرنسا حيث تبلغ (500) ألف كلم?، ويصل عدد سكان الإقليم حوالي (6) ملايين نسمة ينتمون إلى أكثر من (100) قبيلة، من أبرزها: الفور والزغاوة وبني هلبة والمسيرية والمساليب والمعاليا والرزيقات والتعايشة، 50% من أصول عربية و50% من أصول أفريقية، جميعهم مسلمون على المذهب المالكي. وينقسم الأقليم إلى ثلاث ولايات تتشارك مع حدود ثلاث دول، هي: أفريقيا الوسطى وتشاد وليبيا.

من الناحية التاريخية: تعتبر مشكلة دارفور قديمة ترجع إلى ما قبل استقلال السودان، فما أن انتهت مشكلة الجنوب التي استمر الحرب فيها أكثر من عشرين سنة، وتم التوصل إلى اتفاقية السلام الشامل في التاسع من يناير 2005م حتى بدأت مشكلة دارفور، فمثلت أزمة في علاقات السودان الدولية مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، وهي مرشحة للتصعيد. وحوصر السودان في السنوات الأخيرة، وجمدت حقوقه في اتفاقيتي (لومي وكوتونو)، وحجبت عنه المساعدات الدولية والمعونات الإنسانية.

وبدلاً من الحديث عن منطق المؤامرة، فإن الحكومة السوداينة قطعاً تتحمل جزءاً من المسؤولية عما يحدث، فهي من قصرت في معالجة الأزمة منذ نشأتها، وارتكبت جرائم وحشية وجرائم ضد الإنسانية من جميع الأطراف، مما فسح المجال للآخرين أن يعبثوا بهذه الأزمة, ويعملوا على تأجيج الأوضاع وتعقيدها لتصبح أزمة إقليمية ودولية. إلا أننا لا ننكر أن الحكومة السودانية استطاعت خلال الفترة الماضية تحقيق تقدم كبير فيما يتعلق بتلك الأزمة وإحلال السلام فيها. حيث سجلت منظمة أطباء بلا حدود الفرنسية رفضها لادعاءات حدوث الإبادة الجماعية بدارفور، وتدني مستوى الأوضاع الإنسانية التي أطلقها المسؤولون الأمريكيون، واتهمتهم باستغلال مشكلة دارفور بدواعي الانتخابات الأمريكية ورهاناتها. وذكرت القيادية في المنظمة - فرانسواز بوشيه سومييه - لراديو (فرانس أنفو) قبل عامين: (أن أمريكا تقوم باستغلال المآسي الإنسانية في العالم).

وذكرت: (أن جميع الحالات التي عالجها أطباء المنظمة في دارفور لم تثبت أنها ناجمة عن تعرض مدنيين للقتل أو التعذيب، وأنه لو كان الوضع مثلما يدعيه المسؤولون الأمريكيون لكانت المنظمة سحبت عناصرها من السودان). واعترفت المنظمة الدولية للأمم المتحدة بأذرعها المختلفة بحدوث تقدم ملحوظ في الأمن في أوساط المعسكرات وقرى دارفور، وأن مستويات الصحة والغذاء معقولة. واعترفت بظهور نتائج جهد الحكومة، وشهدت بتحسن الأوضاع.

في المقابل.. هناك ثمة أهداف أخرى تجعل الولايات المتحدة الأمريكية ترسم مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية على المستوى الإستراتيجي بعيد المدى. وقد تكون هذه الأسباب كافية وراء التركيز على السودان، والكيد له، ومحاولة زعزعة وحدته. ففي دراسة أجراها المؤرخ والمفكر العراقي الدكتور عماد الدين خليل، يرى أن: (من الأسرار التي لا يعلمها إلا قليل من الناس أن أمريكا قد اكتشفت من قبل أن السودان كله يطفو فوق بحيرة كبيرة من النفط، لكنها لم تستخرجه، وتركته ليكون الاحتياطي الرئيس إذا اضطربت أحوال الخليج وأُغلقت قناة السويس، وكان في خطتها أن تستخرجه وتمد أنبوباً يوصله إلى سواحل غرب أفريقيا ليشحن إليها بحرية عبر المحيط بعيداً عن المضايق، فجاءت حكومة الإنقاذ الإسلامي في السودان، وتحدت الإدارة الأمريكية، وبدأت في استخراجه قبل أوانه الذي حددته الإستراتيجية الأمريكية، ومن ثم كان الغضب الأمريكي على السودان. ولعل أمريكا بعد إنجاز حربها واحتلال العراق، سيكون أول بلد تصب عليه غضبها هو السودان، لوقف عمليات الاستخراج والاحتفاظ بنفط السودان كاحتياطي مستقبلي يوفر لها الطاقة). إذن الولايات المتحدة الأمريكية معنية بالاستثمارات النفطية في السودان من خلال حكومة موالية وصديقة. فلما ظهرت حكومة الإنقاذ الإسلامي في السودان عام 1989م، انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية ضده سياسة المواجهة طوال عهد (كلينتون)، ونشرت سياسة العنف وتجارة السلاح في السودان، واتهمته بانتهاك حقوق الإنسان في دارفور، ومساندة الإرهاب، بل ساعدت على تكريس العداء بين السودان والدول المحيطة به كأوغندا وإريتيريا وأثيوبيا، وقدمت دعماً سياسياً لا محدود للتجمع الوطني المعارض بزعامة (جون جارانج). ويبقى السودان -بحسب دراسة أمريكية أعدها ثمانية مستشارين للأمن القومي- قابلاً للتقسيم إلى ثلاث دول، حيث تقوم الفكرة على إنشاء دولة جنوبية نفطية غنية تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية بالتكنولوجيا والسلاح، ودولة شمالية مرتبطة بمصر، ودولة في غرب السودان برعاية إسرائيلية. كل ذلك من أجل النفط الذي يستخرج منه العالم الصناعي (362) منتجاً ضرورياً لليحاة المعاصرة، لا سيما أن هناك مؤشرات تراهن على أن بعض الدول الأعضاء في منظمة الأوبك ستنضب آبارها النفطية في المدى المنظور.

شخصياً أعتقد أن ما ستحتاجه الحكومة السودانية في المرحلة المقبلة هو تجنب الاستهداف الأمريكي ومواجهته قدر الإمكان، من خلال سد الذرائع والمبررات، وحفظ التوازن لتحقيق المصالح وتجنب المفاسد. وعلى جامعة الدول العربية دور مهم في مساندة السودان ومساعدته لتجاوز الأزمة من خلال تشكيل لجنة عربية تعمل على سحب أسلحة المتقاتلين، والتفاوض لإيجاد حلول عادلة بين جميع الأطراف، إضافة إلى ضخ المساعدات الغذائية والطبية والتعويضات المالية.

- أكاديمي


drsasq@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد