Al Jazirah NewsPaper Friday  01/08/2008 G Issue 13091
الجمعة 29 رجب 1429   العدد  13091

الجوف.. صور من جمالها .. مدينة سكاكا.. أولى الصور
د. زيد المحيميد

 

تلقيت دعوة كريمة من صديقي الدكتور دخيل الله الشمدين رئيس مجلس التدريب التقني والمهني وعميد الكلية التقنية بالجوف والعضو البارز في كثير من المؤسسات والفعاليات التنموية في منطقة الجوف؛ للاطلاع عن كثب على ما وصلت إليه تلك المنطقة من تحول عصري من قلاع للآثار وأعماق للماضي إلى منطقة حضارية تحوي مشروعات تنموية ومراكز وبحوث علمية، يمكن أن تشكل بنية وبذرة أولية للاقتصاد المعرفي في المنطقة. ففي يوم 9 من شهر رجب عام 1429 هـ، امتطينا سيارة الأستاذ محمد الفايز، وصحبنا في هذه الرحلة المباركة الدكتور عبد الله الجار الله والأديب الأستاذ صالح الناصري، وانطلقنا من مدينة بريدة صباحاً إلى حائل عبر الطريق السريع الذي يربط المدينتين، ثم واصلنا سيرنا إلى الجوف من خلال الطريق الجديد والرائع - حلم الماضي حقيقة الحاضر - الذي يربط حائل والقصيم بتلك المناطق العزيزة على قلوبنا، وتقع منطقة الجوف في الجزء الشمالي من المملكة وتتمتع بموقع استراتيجي بتوسطها المنطقة الشمالية، وتعتبر ثامن أكبر منطقة في المملكة من حيث المساحة حيث تبلغ مساحتها 120722 كم مربع وفق ما ورد في أطلس المملكة العربية السعودية عام 1420هـ، وتحدها منطقة الحدود الشمالية من الشمال والشرق، ومنطقتا حائل وتبوك من الجنوب كما تحدها المملكة الأردنية من الشمال الغربي. وفي الطريق قرأنا كتاب (اقتصاديات منطقة الجوف نموذج جديد للتنمية المحلية للدكتور محمد صالح) حيث يذكر في كتابه: (أن منطقة الجوف تقع ضمن منطقة حوض النفوذ الرسوبي الكبير، الذي أثبت الدراسات الجيولوجية والهيدرولوجية أنه يشمل على تكوينات رسوبية قديمة وحديثة غنية بالمياه ذات النوعيات الجيدة، أي التي تنخفض بها نسبة الأملاح المذابة، ما يجعل معظم هذه المياه صالحة للشرب والزراعة دون معالجة)، وفي أثناء تجاذبنا أطراف الحديث عن تاريخ المنطقة ومعرفة جوانب من جغرافية هذه البلاد وتكوينها الطبيعي، إذ بدت لنا مدينة دومة الجندل بأشجار الزيتون على جانبي الطريق في تمام الثانية ظهرا، هنا حدثنا زميلنا في الرحلة الأستاذ محمد الفايز بقوله: (إننا أمام حضارة زراعية موغلة بالقدم تمثلت في إحدى سمات المنطقة وأردف قائلاً: (والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين)، وأكد على ذلك الأديب الناصري بقول الفرزدق:

طواهن ما بين الجواء ودومة

وركبانها طي البرود من العصب

واصلنا تقدمنا إلى مكان الإقامة في سكاكا - عاصمة المنطقة - التي تبعد عنها دومة الجندل خمسين كيلو مترا تقريبا، وخلال الطريق السريع بين سكاكا ودومة الجندل (الدومة كما يسميها أهل المنطقة) جامعة الجوف الجاري تنفيذها على مساحة كبيرة، والكلية التقنية بالجوف الذي تم إنجاز مبانيها بطراز معماري فريد، وهنا أشار الأديب الناصري إلى أن سكاكا ذكرت في الشعر الجاهلي حين أشار إليها حسان بن ثابت بقوله:

فالقريات من بلاسي فداريا

فسكاكا فالقصور الدواني

وصلنا إلى مدينة سكاكا، ومكان إقامتنا وذلك في تمام الساعة الثالثة ظهراً حيث وجدنا من الدكتور الشمدين وزملائه كل حفاوة وتكريم...

عند مكوثنا في مكان إقامتنا كان بين يدي الدكتور الجار الله كتاب المؤرخ الكبير الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - في كتابه (في شمال غرب الجزيرة: نصوص، مشاهدات، انطباعات) حيث ذكر عن مدينة سكاكا قوله: (لوقوع المدينة في متسع من الأرض تهيأ لها من حسن التخطيط، وسعة الشوارع وطولها، وتباعد البيوت ما لم أر مثله في مدن المملكة إلا بلدة النبك في القريات، وقبل هاتين مدينة بريدة، وقل مثل ذلك في تبوك والطائف، هذا من ناحية انفساح المدينة واتساع الأرض..)، وأما موقع مدينة سكاكا فيقع في الطرف الشمالي للنفود الكبير، ويبلغ عدد سكانها مائة وثلاثين ألف نسمة تقريباً، وفي مدينة سكاكة العديد من المواقع الأثرية، التي تعد شاهداً على ارتباطها بالحضارات المتعاقبة، والتطور البشري، ومنها موقع (الشويحطية) الذي يعد أقدم موقع استوطنه الإنسان في الجزيرة العربية منذ حوالي مليون وثلاثمائة ألف سنة، وأهم الآثار في المدينة كذلك قلعة زعبل، بئر سيسرا، قلعة الطوير، الرجاجيل.....(انظر: منطقة الجوف تعريف مختصر: إصدار خاص بمناسبة زيارة خادم الحرمين الشريفين).

وفي تمام الساعة الخامسة عصراً امتطينا سيارتنا واتجهنا لقلعة (زعبل) التي تقع في شمال مدينة سكاكا، وتشرف على شمال وشرق المدينة، ولكن للأسف المكان كان مغلقاً للترميم ولم يحالفنا الحظ لدخولها، ولكننا رأيناها عن كثب وانبهرنا من كيفية تصميم بنائها حيث تم بناؤها على ارتفاع كبير تجاوز - بحسب المصادر الموثوقة - خمسة وعشرين متراً عن المنطقة المحيطة بها، وأتحفنا الأديب الناصري كالمعتاد بقول الشاعر أبو الذيال البلوي حين انبهر من قلعة زعبل كذلك حيث قال:

ولم تر عيني مثل يوم رأيته

بزعبل ما اخضر الأراك وأثمر

وذكرت كثير من المصادر أن القلعة بنيت منذ آلاف السنين، ويؤكد ذلك وجود بئر (سيسرا) التي تعد من الآثار النبطية، ويذكر المؤرخ سعد بن جنيدل - رحمه الله - في كتابه (بلاد الجوف أو دومة الجندل): (يقع هذا الحصن في الناحية الشمالية الغربية من مدينة سكاكا، يطل على المدينة كحارس من قمة جبل مرتفعة قد شيد عليها....، وأهميته تتمثل في مناعة موقعه وارتفاعه من المدينة، فهو عبارة عن سور محيط بقمة جبل غير عال، مبني في أساسه القديم من الحجارة، وفيه غرفتان صغيرتان، ومدخله باب ضيق وفي وسطه حوض محفور في سطح الجبل لحفظ الماء ولا يصعد إليه إلا من طريق واحد من الجبل، وقد حفر لطريقه في الجبل عتبات تعين على الصعود إليه، أما جوانب الجبل الأخرى فإنه يتعذر الصعود منها، لأن الجبل يمثل قمة مرتفعة تتحدر جوانبها انحدارا عمودياً إلى الأرض، ومساحة الحصن غير واسعة لأنها محصورة في مساحة سطح القمة الجبلية التي أقيم عليها..)، انتهى يومنا الأول في جولة داخل المدينة، وشعرنا جميعا بقدرة أهل سكاكا على توليد طاقة كبيرة لتخطيط وتنفيذ المشروعات التي يعود نفعها على المنطقة وأبنائها وفق أعلى المعايير، حيث وجدنا منهم نشاطاً وحيويةً وحماساً مع الحرص الشديد على التسويق لكل ما هو موجود بالمنطقة بأجمل صورة وأجمل حلة، وسوف نعرض في مقال قادم لصورة تنموية وحضارية أخرى في مدينة سكاكا، وقد انبهرنا جميعا إلى امتياز إنسان الجوف وما يتمتع به من الأصالة، والكرم، والجود، والسماحة وعلى رأس هؤلاء المتميزين الدكتور دخيل الله الشمدين ...يتبع.

- عميد الكلية التقنية الزراعية ببريدة

(zeidlolo@hotmail.com)

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد