Al Jazirah NewsPaper Wednesday  06/08/2008 G Issue 13096
الاربعاء 05 شعبان 1429   العدد  13096

في الألقاب
د. موسى بن عيسى العويس

 

قدرنا أن نعيش وسط مجتمع يعشق الألقاب، وتأسره زينة الوجاهة الاجتماعية وزخرفها. والعرب بشكل عام لديهم في هذه النزعة هوسٌ عجيب، وتعلق فريد يصل ببعضهم حد المراهقة، يستوي في ذلك أكبر مسؤول وأدناه. من هنا لا غرابة حين نرى من يتمسك بأهداب ألقاب المعالي، والسيادة، والسعادة، والسماحة ولا مجال للاستنكار حين تجد من يواليك أو يعاديك بسببها. والإطراء والتفخيم له جمهوره في هذه البلاد وغيرها، وبخاصة ونحن نعيش عصر الإعلام، بوصفه الموجه والمسيّر، والآمر والناهي، وهي ظاهرة تعدّ انتكاسة في بعض وجوهها أمام مسيرة الحضارة والثقافة.

* رجلٌ من أعلام التاريخ هو (محمود سامي البارودي) انتزع من محبيه وخصومه ألقاباً عدة. منحها إياه الشعب لنضاله السياسي الكبير، واستمدها من مكانته كشاعر أصيل احتفى بالتراث، وحظي بها كقائد عسكري وطني. مع ذلك يرى أن المسؤولية أكبر من ذلك اللقب، ليقول أمام تلك الهالات بكل تواضع:

حبوتكَ ألقاب العلا فادعني باسمي

فما تخفض الألقاب حُراً ولا تُسمي

* ألقاب العبقرية الفذة انتزعها من كفاحه بالحياة، وزهد بها؛ لأنها كانت أقل من الطموح والغايات، والأحلام والأمنيات، وهكذا هم العظماء، ولكل زمان كما قيل: دولة ورجال، من النادر أن تجود الأيام بمثلهم. نحن الآن في عصر خفت فيه موازين الحقائق إن لم تكن قد انقلبت، وتدنت فيه مصداقية القول إن لم تكن قد تلاشت. نتسابق أحياناً وقد نتصارع على الألقاب العلمية وغيرها دون أن ندرك أو نعي قيمتها، أو بمَ يفترض أن يكون الصراع والتنازع؟ قيمة (اللقب) مرتبط بالبحث، أو المشروع العلمي والثقافي والحضاري الذي تسلكه، ومدى أثره وفائدته للمجتمع وللإنسانية، بل ومن كونه مرجعاً أساسياً للصناعيين، أو الاجتماعيين، أو التربويين، أو الاقتصاديين، أو غيرهم ممن ينشدون الحقائق العلمية، والاطروحات الفكرية لحل المشكلات المستعصية أمام مسيرة تنمية المجتمعات.

* نشاط الإنسان لا يحدده لقب، أو تعيقه درجة. ألوفٌ من المبدعين الذين غيروا مسار التاريخ وأثروا الحضارة الإنسانية لم يخلع عليهم أحدٌ أياً من الألقاب، رغم العطاء المشرّف والمتميز للإنسانية جمعاء، ليس هذا فحسب، بل كم من لقب أعاق طريق صاحبه، وأعمى بصيرته، وصرفه عن الأهداف الكبرى والغايات العظمى. قيمة اللقب فيما أعتقد حين يدفع صاحبه، فناناً أو أديباً، أو سياسياً، أو تربوياً، أو إدارياً إلى عطاء أفضل، وأداء أرقى، يسكن معه صاحبه في محاريب العلم والمعرفة.

* حين نتسابق على (الألقاب) ونطرق أبوابها بكل وسيلة مشروعة أو غير مشروعة يخفى على بعضنا أن العلم أجلّ وأسمى من أن يخضع لمدح المادحين، أو ذم الساخرين، بل ويخفى أن هذا التهافت إهانة لمكانة العلم، وانتقاصاً للعلماء البارعين بطريقة أو أخرى.

* التنظيمات الإدارية والأكاديمية لها احترامها وتقديرها، والتقيد بتشريعاتها مطلب أساسي، وواجب وطني، حفاظاً على قدسية العلم وأهلية حملته، ومع هذا فيقيننا التام أن العلم ليس مقصوراً على جهة، أو مؤسسة دون أخرى، بل هو مورد متاح ينهل منه الجميع، مستصحبين الصدق، والأمانة، والإخلاص، وسلامة المنهج، وتكامل الأدوات، وبهذه المواصفات، وما نقدمه من عطاء تزول كل علامات الاستفهام، مهما كان المصدر داخلياً أو خارجياً.

dr_alawees@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 7789 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد