Al Jazirah NewsPaper Wednesday  06/08/2008 G Issue 13096
الاربعاء 05 شعبان 1429   العدد  13096
الخطوط السعودية.. العين التي لا تبكي.. لا تبصر شيئا
د. عبدالله بن سعد العبيد

تعتبر المؤسسات الخدمية في بلادنا أو في بلاد العالم أجمع من أكثر المؤسسات التي يتم انتقادها ذلك لمساسها مباشرة حاجات الإنسان وتقديمها خدمات قد لا يستطيع المواطن أو المقيم الاستغناء عنها في معظم الحالات. ولعلي لا أبالغ القول إن ذكرت بأن تلك المؤسسات...

تعتبر مادة دسمة ومشهية لمن أراد انتقادها وتسلق تلتها للوصول لإثارة الرأي العام ومن ثم تحقيق شهرة من خلال انتقاده لها حيث سيتسنى له إنصاف من تعرض لمواقف سلبية معينة أو إثارة ربما إدارات العلاقات العامة التي لا تنفك تدافع بحجة أو بدون عن أخطاء مؤسساتها دون النظر لطبيعة الخطأ المرتكب وإنما لتحميل الطرف الآخر مسؤولية الخطأ أو الموقف المُشكل.

لا بد لأي مؤسسة إن أرادت معالجة مشكلة ما أن تتبع جذورها وأسبابها لإيجاد حلول مناسبة لها، كما ويجب ألا تتحرج من تطبيقات أنظمة وأساليب إدارية حديثة من شأنها بحث مسببات المشكلة أو التقصير تمهيداً لعلاجه وألا تهاب نقاش الموقف أو الخطأ بالتستر عليه ومحاولة إنكاره وألا تقوم بتفويض إدارة العلاقات العامة لتنبري دفاعاً مستميتاً عن المؤسسة دون حتى علمها عن طبيعة المشكلة وغالباً ما يكون ذلك بعد إثارة المشكلة أو الخطأ بأسابيع ولو تم استغلال تلك الفترة التي يتم صياغة بيانات تلك الإدارات فيها، في الدفاع عن الخطأ وتحميل الطرف الآخر أسبابه لكان كافياً لمعالجته، أما أن تستمر بنهجها في الدفاع المستميت فما ذلك إلا دافع لزيادة الخطأ واستفحاله.

لماذا لا يتم مناقشة الظواهر السلبية، فجميع المؤسسات الخدمية ليست مثالاً لمؤسسات أفلاطون لا تخلو من الظواهر السيئة والسلبية، فكما يوجد بها ظواهر إيجابية يحسدنا الكثير على وجودها لدينا، هناك أيضاً ظواهر سلبية يحمد الله الكثير غيرنا على عدم وجودها لديهم.

لقد دأبنا على التفاخر بمؤسسة الخطوط السعودية لعقود من الزمن وما زلنا رغم أننا في واقع الأمر نحاول جاهدين استخدام شركات طيران أخرى نضمن فيها على الأقل حدود دنيا من احترام المستفيدين من خدماتها في جميع ما تقدمه من خدمات. ومع ذلك ما زلنا ندافع ونتفاخر بمؤسستنا العظيمة أمام غيرنا من أمم الأرض بل أصبحنا ممثلين لإدارات العلاقات العامة فيها ندافع حينما نواجه بأحداث واقعية حصلت للكثير ونصدقها نحن قبل غيرنا لعلمنا يقينا بإمكانية حدوثها من خلال تجارب سابقة شكلت لدينا ثقافة معينة سلبية عن الخدمات المقدمة.

استبشرنا خيراً كثيراً بتعيين مدير عام بحنكة وخبرة خالد الملحم الذي شهد لنجاحاته العملية القاصي والداني وبلغنا عن الرجل حزمه حتى في أولى ساعات توليه الإدارة التي لا يحسد عليها إطلاقاً. تجد الرجل حريصا على حل كثير من الأمور التي تمس مصالح المواطنين ولا يغفل عن متابعة كبائر الأمور حتى حينما يسند مسؤولية إنجازها لغيره، متواضع دمث الأخلاق، وأنا لست بصدد مدحه هنا، لأنه مهما بلغ من حنكة إدارية وذكاء لن يستطيع وحده أن ينهض بمؤسسة نخر قواعدها السوس.

لن أتحدث عن مواقف شخصية حصلت حتى لا يتم تأويل مقالي وتحريفه عن مساره الطبيعي الذي كتبته من أجله، لكنني أدعو كل من يهمه الأمر أن يحاول الحصول على خدمات هذه المؤسسة العظيمة بدءا من اتصاله بحجز الخطوط السعودية ومدة انتظاره ورد موظف الخطوط وأسلوب تعامله مع المتصل وفشله الدائم في تحقيق رغبة الراكب في حجز مقعد على رحلة معينة بحجة إغلاق حتى الانتظار إلى أن يبحث الراكب عمن يتوسط له هنا وهناك وهذا أمر واقع لا ينكره عاقل يتم من خلاله الحصول على تأكيد لحجز لم يستطع موظف الحجز حتى تسجيل اسم الراكب على قائمة الانتظار، ثم يأتي يوم السفر ويستعد الراكب لمواجهة معركة في مطارات المملكة واضطرار قبوله بعدم رد التحية له من قبل موظف استقبال الحقائب وإصدار بطاقة صعود الطائرة، هذا إن لم يكن حجزه قد تم إلغاؤه، ثم معاملة هذا الموظف الذي كان إلى فترة وجيزة يتوسل ويبحث عن واسطة لتعيينه في الخطوط وقد أصبح هو الآمر الذي لا يستطيع الراكب أن يجادله خوفاً من رد فعل قد يتسبب في منع الراكب من الصعود للطائرة بأي حجه قد يخترعها ذلك الموظف كتأخر الراكب في الوصول للمطار أو إقفال الرحلة أو إلغاء الحجز وجميع تلك الأعذار لا يستطيع الراكب التأكد منها وعليه أن يقبل بها طائعاً خانعاً.

إن حالفه الحظ للصعود للطائرة بعد أن حصل على ود موظف البطاقات والحقائب أو ما يسمى بموظف الكاونتر فعليه أن يتحمل الجزء الأدهى من ذلك وهو المعاملة الهمجية التي يتلقاها من موظفي خدمات الركاب داخل الطائرة. فهذا يأمر الراكب أن يطلعه على بطاقة صعود الطائرة لتحديد مقعده بأسلوب همجي لا يتناسب إطلاقاً وإنسانية الراكب وذاك يصرخ بوجهه بحجة أنه تسبب في تعطيل ركاب آخرين من جلوسهم بمقاعدهم وآخر يقوم بأمر الركاب باستخدام حزام الأمان وثالث يمر بعربية الجرائد بسرعة تفوق سرعة الطائرة وكأنها صدقة توزع على الركاب ثم يأتي من يقدم خدمة الطعام التي يندر أن تحصل على الوجبة التي عادةً ما تكتب في قائمة الطعام وعليك القبول بما هو موجود أو أن تلتزم الصمت حتى لا تتعرض لتهديد بفضح أمرك وتقديم شكوى لقائد الطائرة التي ربما ينتهي بك المطاف إلى تسليمك لشرطة المطار في المحطة القادمة.

والله إنه لأمر مخجل أن يدفع المواطن سعر تذكرة مرتفعا جداً ويشعر أنه يعمل لدى الشركة الناقلة ويأتمر بأوامر وتعليمات العاملين بها من خدمات أرضية إلى جوية ويشعر بالرهبة من أي تصرف قد يقدم عليه خوفاً من أن يتم تسليمه كالمجرمين لشرطة المطار.

لقد خطت المملكة نحو فتح مجال المنافسة وإنهاء الاحتكار خطوات جبارة كانت تعتبر إلى عهد قريب من ضروب الخيال، وقابل ذلك إيقاف الخطوط السعودية لبعض رحلاتها الداخلية بحجة إعطاء فرصة للمنافسين، أيعقل أن تنتهج شركة يفترض أن تكون رائدة منافسة في مجالها كهذا النهج في التخلي عن بعض مصادر الدخل لديها فقط لمساعدة شركات منافسة لها. ألم يكن بمقدور الخطوط السعودية وهي التي لم نسمع يوماً أنها نافست على الحصول على جوائز عالمية في جودة الخدمات لديها أو حتى في التزامها بمواعيد رحلاتها، ألم يكن بمقدورها تحسين خدماتها لضمان حصولها على النصيب الأكبر من السوق السعودية.

ألم تنظر الخطوط السعودية لمثيلاتها في الخليج من الشركات التي لا تخلو عادة قائمة المنافسين على جائزة أفضل الخطوط في العالم من إحداها وهي التي تعتبر أقل إمكانات وأسطول من الطائرات حديثها وقديمها من الخطوط السعودية.

لقد قرأنا مؤخراً عن عزم الخطوط السعودية القيام بتنفيذ ترقية شاملة لنظمها في سبيل تحقيق نقله نوعية في خدماتها. وقد جاء في نص ما نشر في إحدى الصحف المحلية أن الخطوط الجوية العربية السعودية قامت مؤخراً بالبدء بتنفيذ ترقية شاملة لنظمها التقنية في إطار سعيها لمواجهة التحديات المنطوية على نمو عملياتها وازدياد الوجهات العالمية التي تحلق إليها طائراتها.

وكانت الخطوط الجوية العربية السعودية قد اختارت حلول تخطيط موارد المؤسسات الشاملة والمتكاملة من شركة (ساب) العالمية لتحقيق التكامل المنشود بين الجوانب المؤسساتية والتسويقية والعملياتية ونظم الأعمال الإلكترونية، وعلى النحو الذي يضمن للناقلة الوطنية السعودية ترقية بنيتها التحتية بشكل كامل ومواكبة نمو أعمالها الراهنة والمستقبلية. وكانت الناقلة السعودية بحاجة حقيقية إلى بنية تحتية معلوماتية فائقة لضمان تبادل المعلومات والبيانات بسلاسة مطلقة والحدّ من الأعطال المحتملة وضمان التوافرية التامة على مدار الساعة.

واختارت الناقلة الوطنية السعودية منصة البنية التحتية عالية التوافرية من صن مايكروسيستمز التي تشمل الخوادم M8000 وT5210 وحلول التخزين والنسخة الاحتياطية V490 وV425 على ثلاث مراحل لتشغيل حلول (ساب) بشكل فعال. وتشمل البنية التحتية من صن مايكروسيستمز صياغة خطة اندماجية متكاملة للتصميمات الهندسية الخاصة ببيئة حلول تخطيط موارد المؤسسات من (ساب) ضمن القواطع والعناقيد الحاسوبية المختلفة المقرونة بالحلول التخزينية الخاصة بالنسخ الاحتياطية من بيانات ومعلومات الناقلة السعودية.

وقال مدير مشروع موارد تخطيط المؤسسات، وكبير مهندسي النظم والتقنيات لدى الخطوط الجوية العربية السعودية كما جاء في الخبر: (حققت الخطوط الجوية العربية السعودية نمواً مطرداً منذ انطلاقتها، إذ كانت تملك طائرة واحدة عام 1945غير أنها تملك اليوم أسطولاً ضخماً يضمُّ 139طائرة حديثة توفر الخدمات لأكثر من 13مليون مسافر سنوياً. ومن أجل دعم إنجازاتها الحالية ومسيرتها نحو المستقبل، كان علينا أن نختار البنية التحتية المعلوماتية المناسبة لدعم استمرارية الأعمال. وبعد دراسة متأنية، رأينا أن حلول صن مايكروسيستمز لتشغيل حلول ساب هي الأفضل بين الحلول المنافسة، إذ وفرت لنا صن مايكروسيستمز حلولاً مُجرَّبة وموثوقة ومُدمجة يمكن تركيبها بسرعة بالغة ويمكنها أن تساعدنا في الحدِّ من التكلفة التشغيلية والحدّ من المخاطر المحتملة، كما أنها كفيلة بالارتقاء بالتوافرية والتدرجية والمرونة والمزايا الأمنية، فضلاً عن سلاسة إدارتها وتسييرها. وتتسم هذه الحلول بأنها مصممة لتحقيق الأداء المنشود لضمان استمرارية الأعمال، كما أنها مصممة للتكامل مع نطاق عريض من تطبيقات الأعمال المهمة).

برغم إيماني بأنه لا يمكن للعطار أن يصلح ما أفسده الدهر إلا أنني أدعو القائمين على هذه المؤسسة العملاقة البدء بتناول جميع الظواهر السلبية والعمل على وضع الخطط الكفيلة بالقضاء عليها، فبدون إخراج المشكلة وتحديدها والاعتراف بها، لن نستطيع يوماً حلها، وأرجو ألا يتم إغفال الجانب التنفيذي لما ورد في الخبر أعلاه ويتم فقط إنهاء الدراسة والتخطيط للنقلة النوعية المنشودة ودفع كامل تكاليفها دون تنفيذ.

من الإيثار ما حُكي عن لقمان حينما قال لابنه: يا بني كذب من قال الشر يطفئ الشر، فإن كان صادقاً فليوقد نارين ثم ينظر هل تطفئ إحداهما الأخرى، وإنما يطفئ الشر الخير كما يطفئ الماء النار. ووصف بعضهم رجلاً من أهل الشر فقال: فلان عري من حلة التقوى ومحي عنه طابع محاسن الأخلاق، لا تثنيه يد المراقبة، ولا تكفيه خيفة المحاسبة، وهو لدعائم الخير مضيع ولدعائم الشر مطيع.

يقال إن العين التي لا تبكي لا تبصر في الواقع شيئاً.

والله من وراء القصد،،،



dr.aobaid@gmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد