Al Jazirah NewsPaper Monday  01/09/2008 G Issue 13122
الأثنين 01 رمضان 1429   العدد  13122
بين قولين
حدري البلاد
عبدالحفيظ الشمري

(الداون تاون) أو قاع المدينة هو ما يعرف عن الغربيين بأنه عمقها، ولدينا قد نسميه وسط البلد، أو قلب المدينة، بل نتزيد عليه حينما ننعت الأطراف العلوية من مدننا (العليا) أو الوسطى (الوسيطى) أو السفلية بالسويفلة أو المسفلة أو السفلى، أو على نحو ما ينعت أهالي حائل مثلا شرق المدينة بمصطلح (حدري البلاد) أو (الحدريين).. فاللغة هنا تبني ذاتها، وتطيل فحوى قصديات الجغرافيا وتضاريسها.

(الداون تاون) عادة ما يكون المقصود به العمق - كما أسلفنا - ولدينا قد يكون تحديداً لطرف ما من أطراف المدينة، لتختلف في هذا السياق المسافة بين الفكرة ومعناها، فتختل مفاهيمها ومراميها حتى تبيت المفردة ذات إيحاء مزدوج، عام وخاص، فالعمومية تكمن في تماهي الخط الفاصل بين واقع المدينة (حاضرها) وماضيها، فاللغة الايحائية حول المدن وتكوينها قد تحمل متناقضة فمن رؤية أولى للتمايز وتفضيل جهة على أخرى مثلاً إلى تحول رمزي للمكان، أما الخاص فإنه لا يعدو كونه محاولة لتشبث بالواقع أياً كان.

(حدري البلاد) هي أنحاء حائلية قديمة وشامخة. تقع على الضفة الغربية لوادي الإديرع.. فأهل تلك الأمكنة مميزون بأخلاقهم العالية، والطيبة المتناهية، ف(الحدريون) في مناطق أخرى يحملون ذات الدلالات الجغرافية تتقاطع مع تكون هذا الجزء من جغرافيا الوطن.

كما أن لفظة السفلية - وهي قريبة من هذه الرؤية - قد توحي بقعر الأشياء لنجدها في مكة المكرمة، وتحديداً منطقة (المسفلة).. تلك التي تعد مكاناً عابقاً بالماضي الذي لم يعد يقاوم سطوة التحول رغم مجاهدته في البقاء من أجل أن يسجد حالة (الداون تاون) أو قاع المدينة، أو مركزها، كما أن الأمر مشابه له في منطقة حائل أيضا فمن وراء (الحدريين) وواديهم نجد قرية (السويفلة) حيث تحمل وصفاً إيحائياً قريباً مما توحي به لفظة منطقة (المسفلة) في مكة المكرمة، كما أن ذكر السافلة والسفلى والسوافل قد تطلق على الأطراف الخلفية أو النائية لدى العديد من القرى والهجر في مناطق أخرى من بلادنا.

قد يكون لدى الناس تصور مفترض عما تشير إليه هذه اللغة، فقاع المدينة للوهلة الأولى يوحي بالقدم والبدائية والفوضى في البناء وتكوين الإنسان في تلك المجتمعات، التي أخذت نمطية إهمال الأطراف، ورمي التصور عليها بوصفها مناطق سفلية لا أمل في ازدهارها، أو قد يكون الأمر مجرد نمطية في تفكير انحدار الأمكنة جغرافياً وتضاريسها الوعرة التي قد يصعب استصلاحها للسكن أو الزراعة قديماً.

ملاحظة لا يمكن أن نغفلها في بلادنا أن قاع المدينة أو قلبها القديم لا يمكن أن يحافظ على نمطه القديم الذي قد يكرس مفهوم الماضي في عقول الأجيال، ولا يمكن أن يجعل منه مصدر جذب للزوار الذين يتأملون ماضي المدينة وحاضرها معاً، فالطفرة المادية التي اجتاحتنا منذ عقود أنستنا - فيما يبدو - أن نكون أوفياء للماضي، الذي يتمثل في المحافظة على تكوين عمق المدينة، وصيانة أطرافها القديمة جداً، فلم يعد هناك ما يوحي بترابط بين الماضي والحاضر إلا في حدود ضيقة، فالمعنى الحقيقي هو أن نعيد ما يمكن استعادته من شواهد الماضي لتكون رمزاً قد نعود إليه ونحن إلى أيامه التي بناها الأجداد بكل إصرار وعزيمة.



Hrbda2000@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5217 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد