Al Jazirah NewsPaper Monday  01/09/2008 G Issue 13122
الأثنين 01 رمضان 1429   العدد  13122
الحبر الأخضر
أهلاً رمضان
د.عثمان العامر

أبارك للجميع دخول شهر رمضان المبارك وأسأل الله عز وجل كما منّ علينا ببلوغ هذا الشهر الكريم أن يتقبل منا الصيام والقيام وصالح الأعمال، وبهذه المناسبة العزيزة على قلب كل مسلم يطيب لي أن أبعث هذه الرسالة التذكرية - التي وجدتها ضمن أوراقي التي كُتبت منذ زمن ليس بالقصير....

ولا أعلم لها تاريخاً أو مصدراً - أبعثها أولاً لنفسي المقصرة في حق الله ثم لك ولدي الغالي ولمن هم في سنك، ولابنتي العزيزة ولكل فتاة تشرف بالانتماء لأمة الإسلام.. أبعثها بكل شفافية ووضوح لأخوتي وأخواتي أينما كانوا، أرسلها عبر هذه الزاوية لكل مسلم يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، إنها خواطر قلبية جاءت من وحي هذا اليوم المبارك أول أيام شهر الصيام والصدقة والقيام وقراءة القرآن، وكان ميلادها ومبعثها عبير هذه اللحظات الروحانية الرائعة، كلمات أملاها عليّ الواجب ودفعني لكتابتها الشعور بالمسئولية وكان الباعث لتسطيرها حق النصيحة والتذكير لكل مسلم حي، كيف لا والقلب يصدأ والروح تموت والنفس تمرض وجلاء ذلك كله التذكير بالله والموعظة الحسنة (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)، إنها كلمات حر أنقلها كما هي بكل شوق ومحبة علها أن تكون بإذن الله تعالى عوناً لنا على حسن الاستفادة من هذا الضيف الكريم الراحل عن دنيانا عمّا قريب، وما يدري الإنسان هل يعود عليه رمضان آخر أو ربما لا يكون.

نفسي المقصرة.. ولدي الغالي.. أخي الحبيب.. (الليل والنهار مطيتان فأحسن السير عليهما إلى الآخرة، واحذر التسويف والإهمال، لا تعلق بناء حياتك على أمنية يلده الغيب ولا تقرن بداية صفحة جديدة في سيرك إلى الله بموعد من الأقدار المجهولة فإن هذا الإرجاء لن يعود عليك بخير، الحاضر القريب الماثل بين يديك ونفسك التي بين جنبيك والظروف الباسمة أو الكالحة التي تلتف حواليك هي وحدها الدعائم التي يتمخض عنها مستقبلك فلا مكان لإبطاء أو انتظار ولا محل لتسويف أو إهمال، فالموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل.. ما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم نفسه بين الحين والآخر، أن يرسل نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرف على عيوبها وآفاتها.. أن يقف معها طويلاً وهو يودع صفحة من عمره ويفتح صفحة بيضاء جديدة، وما أروع أن يتوج هذا الإنسان عودته إلى ذاته ومحاسبته إياها برسم السياسات قصيرة المدى والمتوسطة والطويلة ليتخلص من هذه الهنات التي تزري به ويرفع عن نفسه مكامن الآثام الجاثمة على صدره.. في كل بضعة أيام ينظر الموظف والمعلم إلى أدراج مكتبه يرتب كل شيء، يعيد كل متحرك إلى وضعه الصحيح، يجمع الأوراق والقصاصات المتناثرة التي أدت الغرض منها ويرميها في سلة المهملات.. وفي البيت تحتاج الغرف والمجالس للمتابعة الدائمة والتنظيف المستمر من أجل إعادته إلى رونقه وجماله، قل مثل ذلك عن المتجر والمخزن وحتى السيارة.. ألا تستحق النفس بعد كل مرحلة تقطعها من الحياة أن تعيد النظر فيما أصابها من غرم وما حصلت عليه من غنم من أجل أن ترجع إليها توازنها واعتدالها كلما رجتها الأزمات وهزها العراك الدائب على ظهر هذه الأرض في هذه الدنيا الهائجة!! إن الإنسان أحوج الخلائق إلى التنقيب في أرجاء نفسه وتعهد حياته الخاصة والعامة بما يصونها من العلل والتفكك، ذلك أن الكيان العاطفي والعقلي للإنسان قلما يبقى متماسك اللبنات مع حدة الاحتكاك بصنوف الشهوات وضروب المغريات، فإذا ترك لعوامل الهدم تنال منه فهي آتية عليه لا محالة وعندئذ تنفرط قوى الإنسان كما تنفرط حبات العقد إذا انقطع سلكه وهذا شأن من (أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا)، ولذا نصيحتي لنفسي أولاً ولكل قارئ لهذه السطور أن يقف مع نفسه وهو يعيش أول أيام هذا الشهر المبارك وأن يدون مثالبها بأمانة وصدق وأن يعقد العزم على البدء في عملية التصحيح في سيره إلى الله والاّ يثني عزيمته وإرادته ماضيه الأسود فالله هو القائل{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ}.. وتذكر أخي الحبيب أن هذا الصنيع يفرح الله كيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه فالله أشد فرحاً بتوبة المؤمن من هذا براحلته) رواه البخاري.. إن بداية شهر رمضان فرصة سانحة لأن يستشرف الواحد منا مستقبلاً أفضل، ومناسبة عزيزة لأن يجدد الإنسان نفسه وأن يعيد ترتيب ذاته من الداخل وتنظيم حياته من جديد، فرصة لأن يستأنف مع ربه علاقة أفضل وعملاً أكمل، فرصة لأن يطوي صفحة سُودت ويفتح بيضاء نقية يبدؤها ب(بسم الله الرحمن الرحيم) ويقطع عهداً مع الله (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليّ وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

وكل عام وأنتم بخير،،،،



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6371 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد