Al Jazirah NewsPaper Friday  05/09/2008 G Issue 13126
الجمعة 05 رمضان 1429   العدد  13126
الصدمة والهلع
ديفيد هيلي

كارديف لم يحظ أي علاج طبي غير العلاج بالصدمات الكهربائية ECT بمثل هذا القدر من الجدال واسع النطاق واختلاف الأساليب في التعامل معه من دولة إلى دولة، ومن منطقة إلى منطقة، ومن مستشفى إلى مستشفى، ومن طبيب إلى آخر. وإنه لأمر يثير الدهشة في عصرنا هذا، حيث بات من المفترض أن يتم استخدام العلاجات الفعّالة بقدر من التماثل والتساوق. في الحقيقة، ورغم الإجماع على أن العلاج بالصدمات الكهربائية هو العلاج الأكثر فعالية في التعامل مع الاكتئاب الشديد، إلا أنه يأتي في مؤخرة قائمة العلاجات الأكثر استخداماً في التعامل مع أشكال الخلل المزاجي.

يرجع بعض عدم الارتياح بشأن العلاج بالصدمات الكهربائية إلى الماضي المظلم للطب النفسي، حين كان ما يتمتع به المريض من حقوق قانونية في العديد من البلدان أقل مما يحظى به المساجين. وحتى وقت ليس بالبعيد كان من الممكن فرض علاجات مثل جراحة الفص الجبهي والصدمات الكهربائية على المريض دون الحصول أولاً على موافقته، بل ولأغراض عقابية في بعض الأحيان.

إلا أننا لم نسمع عن احتجاج مماثل ضد استخدام العقاقير المضادة للذهان والتي كانت تفرض على نحو مشابه على المريض - والتي استخدمت حتى لتعذيب المساجين. ورغم أن القليل من المرضى يخضعون الآن للعلاج بالصدمات الكهربائية رغماً عنهم، ومع أن موافقة المريض أصبحت شرطاً رسمياً لإخضاعه لمثل هذا العلاج، إلا أن عدداً ضخماً ومتزايداً من المرضى يعالجون بالعقاقير المضادة للذهان لأسباب زائفة، وبينهم الأطفال والضعفاء من البالعين ومرضى إلزاهايمر، ومجموعة من المرضى الذين تتسبب مثل هذه العلاجات في تقصير أعمارهم، دون أي جهد يذكر للحصول على موافقتهم.

رغم أن معارضي العلاج بالصدمات الكهربائية يعتقدون أنها تؤدي إلى إلحاق الضرر بالمخ، إلا أنه من الصعب إثبات مثل هذا الادعاء. فالعلاج بالصدمات الكهربائية يؤدي إلى تأثير عضوي فوري، مثله في ذلك كمثل العقاقير المضادة للذهان والاكتئاب والمهدئات. ولكن رغم أن العلاج بالصدمات الكهربائية لم تنشأ عنه مطلقاً أدلة سريرية واضحة تشير إلى الإصابة بضرر دماغي، ورغم أن أحداً لم يثبت قط حدوث مثل ذلك الضرر حتى بين حيوانات التجارب، فإن العقاقير المضادة للذهان كثيراً ما تؤدي إلى مثل ذلك الضرر، في هيئة حركات لا إرادية وغير ذلك من الأعراض. ويصدق نفس القول على مضادات الاكتئاب.

لا شك أن العلاج بالصدمات الكهربائية قد يتسبب في فقدان مؤقت للذاكرة، إلا أن منتقدي هذا العلاج سوف يجدون صعوبة كبيرة في إثبات تسببه في إحداث مشاكل في الذاكرة أو غير ذلك من المشاكل المتصلة بالإدراك لمدة تتجاوز الثلاثة أشهر. ولا أحد يستطيع أن يعزو الاضطرابات في الذاكرة الشخصية وعدم القدرة على تذكر القوائم إلى العلاج بالصدمات الكهربائية، وذلك لأن الصدمات الكهربائية نادراً ما تستخدم كعلاج مستقل.

الحقيقة أن عدداً ضئيلاً للغاية من هؤلاء الذين يتلقون العلاج بالصدمات الكهربائية لا يتلقون إلى جانبها أيضاً عقار البنزوديازيبين، الذي يتسبب في مشاكل واضحة في الذاكرة الشخصية وغير ذلك من المشاكل حين يعطى بمفرده، والعقاقير المضادة للذهان، والتي تتسبب في صعوبات في تذكر القوائم أو الأسماء أو أرقام الهواتف، وغير ذلك من المشاكل المشابهة. ورغم ذلك فإن هذه العقاقير نادراً ما تتحمل اللوم عن الاضطرابات الإدراكية التي تعقب العلاج النفسي.

إن فشل منتقدي العلاج بالصدمات الكهربائية في إثبات ما يبدو واضحاً في نظرهم يشير إلى مؤامرة نشطة لتقليص المشاكل الناتجة عن العلاج قدر الإمكان ومنع أولئك الذين تضرروا بسبب العلاج من السعي إلى طلب التعويض. والحقيقة أن بعض اللقاءات التي عقدت مؤخراً في المملكة المتحدة بشأن قضية العلاج باستخدام الصدمات الكهربائية، غاب عنها أي ممثل عن الطب النفسي، ولكن حضرها عدد كبير من مجموعات المرضى. ويبدو أن الطب النفسي المنظم لا يبدي إلا أقل قدر من الاهتمام بالعلاج بالصدمات الكهربائية، أو ربما يخشى المضايقات التي قد يثيرها المدافعون عن المرضى.نتيجة لهذا فحتى الأدلة التي تشير إلى التحسن الملحوظ في المزاج الشخصي والحالة السريرية للمريض بعد العلاج بالصدمات الكهربائية أصبح من الممكن أن يحولها البعض إلى دليل على الإصابة بضرر دماغي. فحين يقول أحد المرضى إن العلاج بالصدمات الكهربائية قد ساعده، أو حين يشير السجل الطبي لأحد المرضى إلى تحسن سريري نتيجة للخضوع لهذا العلاج، فإن هذا التحسن الواضح قد يترجم باعتباره إشارة إلى تدهور القدرات العقلية التي تصاحب الضرر الدماغي.

هناك من الأهداف ما هو أفضل من العلاج بالصدمات الكهربائية فيما يتصل بالصحة العقلية. فأين الاهتمام بشأن الملايين الذين يدمنون العقاقير المضادة للذهان؟ وأين الاحتجاجات ضد علاج الأطفال الذين لم يتجاوزوا العام الأول من العمر بالعقاقير المضادة للذهان؟ وكيف من الممكن أن نغفل مثل هذه المظاهر بالكامل فقط لأنه ليس من بين الشركات المنتجة للعقاقير المرخصة حالياً من يبادر إلى تنظيم الحملات لمساعدة العاملين في مجال الطب والتمريض في إدراك علامات فقدان الإحساس التي يبديها واحد من بين كل عشرة من المرضى الذين يعالجون في أي مركز للطب النفسي - رغم أنها أعراض يمكن علاجها بسرعة باستخدام عقاقير البنزوديازيبين أو الصدمات الكهربائية؟ ولماذا كل هذا التشويه لسمعة العلاج بالصدمات الكهربائية على شبكة الإنترنت، ولماذا كل تلك الشهادات التي تمجد العلاج بالعقاقير؟ يبدو أن منتقدي العلاج بالصدمات الكهربائية يتصورون أنهم إذا لم يحتجوا ضد استخدامه كلما سنحت لهم الفرصة فإن أنصاره والمدافعين عنه سوف يفرضونه على الناس الذين لا يحتاجون إليه. ولكن على النقيض مما يحدث مع العقاقير المؤثرة على الإدراك والسلوك فلن نجد أي قسم من أقسام التسويق على استعداد للترويج للعلاج بالصدمات الكهربائية.إن تكثيف الهجوم بهذه الصورة على العلاج بالصدمات الكهربائية أدى بلا أدنى شك إلى اضطرار المزيد من المرضى إلى الاعتماد على العقاقير، وبالتالي المزيد من حالات الضرر الدماغي ومشاكل الذاكرة. في بعض الأحيان يبدو المنتقدون وكأنهم يتصرفون من منطلق وهم رومانسي مفاده أن الأمراض العقلية سوف تختفي من الوجود إذا ما تمكنوا من التخلص من العلاج بالصدمات الكهربائية. ولابد أن ذلك كان ليبهر سيغموند فرويد.ديفيد هيلي أستاذ الطب النفسي بجامعة كارديف؛ ولقد شارك كشاهد خبير في المحاكمات الخاصة بجرائم القتل ومحاولات الانتحار المرتبطة باستخدام العقاقير المضادة للاكتئاب من نوع SSRI (مانعات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية)، كما ساهم في لفت انتباه المشرعين الأميركيين والبريطانيين إلى مثل هذه المشاكل.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008 .
خاص «الجزيرة»



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد