Al Jazirah NewsPaper Sunday  07/09/2008 G Issue 13128
الأحد 07 رمضان 1429   العدد  13128
أضواء
مَنْ أشعل شرارة القوقاز؟
جاسر عبدالعزيز الجاسر

من بين ما يقال عن السياسيين المغامرين، وعدم اكتراثهم بأرواح البشر، أن القادة السياسيين الذين يخططون لتحقيق الأهداف والمصالح السياسية لا يهمهم ما يسقط من ضحايا كقتلى وجرحى ومصابين؛ فهؤلاء ينظرون إلى الشعوب كأرقام وليس أرواح بشر تزهق، فلا فرق عندهم عندما يُقتل الآلاف أو العشرات منهم، المهم عندهم أن تتطابق خططهم مع (السيناريوهات) التي يضعونها لتحقيق مصالحهم.

والأزمة التي تفجرت في القوقاز واحدة من القضايا التي تظهر مدى استهتار القيادات السياسية بمصير الشعوب وحياة البشر، فالذي نعرفه أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول أن تمد نفوذها إلى (الفضاء الروسي) الذي ورثه الاتحاد الروسي من الاتحاد السوفييتي، وأن هناك صراع نفوذ ومصالح بين الروس من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى لمد مساحة النفوذ والتأثير الغربي إلى المناطق التي كانت تحت سيطرة السوفييت، وأن الروس الذين يستشعرون الخطر من اقتراب أمريكا والغرب من فضائها الأمني، بل وحتى حدودها الجغرافية، يتصدون بجدية لهذا التمدد؛ فالروس معارضون وبشراسة لإقامة ما يسمى بالدرع الصاروخي في دول تقع على حدود روسيا، ومعارضتهم تنبع من الخوف من الإخلال بتوازن الأمن الجو سياسي بين روسيا من جهة والغرب من جهة أخرى؛ فوضع صواريخ على مقربة من الأراضي الروسية شبيه بوضع صواريخ سوفييتية في كوبا إبان حكم خروتشوف ورئاسة كندي، وروسيا وإن كانت تحاول أن تتعامل بحذر مع وضع الدرع الصاروخي في الدول الحدودية مع روسيا، إلا أنها لا تقبل أن يتأثر أمنها القومي بتمدد الفضاء الأمريكي عن طريق (إطالة ذراع الحلف الأطلسي) الذي تقوده أمريكا ويضم كل الدول الغربية الأخرى؛ ولهذا فإن موسكو لا تنظر بعين الرضا إلى التقارب الذي تبديه الحكومات الموالية للغرب في كل من أوكرانيا وجورجيا وبولندا مع واشنطن وموافقتها على تنفيذ خططها بإقامة قواعد ومراكز إطلاق صواريخ تعتبرها مهددة لأمنها.

وهنا جاء تحرُّك موسكو سريعاً بعد محاولة الرئيس الجورجي ساكشفيلي الذي أرسل قوات لإنهاء تمرد الجمهوريتين الملحقتين بجورجيا (أوسيتا الجنوبية وأبخازيا)، وهما جمهوريتان أُلحقتا بجورجيا إبان انضمام الجميع إلى الاتحاد السوفييتي وأُلحقتا بجورجيا من قِبل الحكومة المركزية الجورجية، بعد استقلال جورجيا إثر تفكك الاتحاد السوفييتي، في حين رفض أكثرية سكانهما وأعلنوا التمرد والانفصال كون أغلب سكانها من الروس وحاملي الجواز الروسي، وظل شعبا الجمهوريتين متمردين منذ تفكك الاتحاد السوفييتي ويخوضان حرباً انفصالية، وقد جرت عدة محاولات لإيجاد حل لهذه المعضلة طالت دون بصيص أمل، إلا أن هذا الأمل تفجّر بكارثة حينما أمر الرئيس الجورجي قواته باجتياح أوسيتا الجنوبية؛ مما أوقع مئات الآلاف من القتلى، وهذا بدوره دفع الروس إلى إرسال قواتهم لنجدة جزء من أبنائهم؛ فأهل أوسيتا من الروس؛ ليطرد الروس الجورجيين في أوسيتا وأبخازيا معاً.. وتتفجر مشكلة القوقاز الجديدة.



jaser@al-jazirah.com.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 11 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد