Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/09/2008 G Issue 13130
الثلاثاء 09 رمضان 1429   العدد  13130
خواطر صيف (2)
(يا سمو الأمير تعبك راحة)
د. سعد بن عبدالعزيز الراشد

شهد صيف هذا العام حركة سفر مكثفة غير عادية للمواطنين والمقيمين على حد سواء، وبالنسبة للسعوديين خاصة فيبدو أن أعداد المغادرين منهم إلى أرض الله الواسعة خارج أرجاء الوطن بلغ رقماً قياسياً. كما أن أعداداً كبيرة قضوا إجازاتهم في أنحاء متفرقة من مناطق المملكة. وننتظر من الهيئة العامة للسياحة والآثار وغيرها من الجهات ذات العلاقة إحصائيات موثقة عن حجم حركة المسافرين سواء إلى خارج المملكة أو المتنقلين منهم في الداخل. وأتمنى على أولئك الذين قطعوا آلاف الأميال حول الكرة الأرضية طمعاً في الراحة والاستجمام قد استفادوا وأفادوا. وفي ظني أن العديد منهم عاد وهو يحمل في جعبته أفكاراً ثرية عن تجاربهم في الدول التي شدُّوا الرحال إليها وعن مشاهداتهم وانطباعاتهم لعلهم يبثُّونها في أوساط المجتمع عن الآداب والسلوك العام في التعامل السياحي وتطبيق تلك المفاهيم على أرض الواقع. وربما لدى البعض آراء هادفة وأمنيات ينشدون من خلالها لما يجب عليه أن تكون عليه السياحة في الداخل.

أما على الصعيد الداخلي فأعتقد أن عدداً كبيراً من الأسر السعودية قد قضوا إجازاتهم في أرجاء ربوع الوطن، لدرجة أن الحجوزات على الرحلات الداخلية كانت بالغة الصعوبة، وكثير من الأسر تنقلوا بسياراتهم الخاصة، فقد اكتظت جدة ومكة المكرمة والمدينة المنورة بالزوار، وهذا شيء طبيعي، وبلغ معدل الإشغال للفنادق والشقق نسبة عالية، خاصة مع تزايد أعداد الوافدين للعمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف. وحسب ما علمت فإن باقي مناطق المملكة حظيت بنصيب وافر من أعداد الزوار وخاصة للمناطق التي تتميز بأجواء معتدلة مثل عسير والباحة والطائف. وعلى كل فإن الرابحين هم الذين استفادوا من هذه الإجازة وخصوصاً الطلاب والمعلمين، فالعطلة الدراسية لهذا العام طويلة نسبياً وتستمر حتى إجازة عيد الفطر المبارك.

وقد تحدث عدد من الكتاب عن إجازة هذا الصيف ونقلت الصحافة انطباعات المواطنين وهمومهم عن السياحة في الداخل، وجاءت بعض الكتابات منطقية وجمعت بين الإيجابيات والسلبيات من حيث نقص الخدمات وتدني البني التحتية الأساسية لصناعة سياحة واعدة في وطنهم الذي تتوفر فيها مقومات سياحية عالية. وفي هذا العام كثفت الهيئة العامة جهودها، وبالتعاون مع شركائها من المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص في المناطق فقدمت برامج سياحية متنوعة. والرصد الإحصائي لهذه الفعاليات يؤكد على أن المواطنين - أسراً وأفراداً - وجدوا متعة في تلك البرامج المقدمة لهم مع قلة عددها، وما ساعد على هذا النجاح الجهد المضاعف الذي بذلته هيئة السياحة في تصميم برامج ترويحية هادفة لمختلف فئات المجتمع وضاعفت من حملتها التعريفية بالبرامج التي تقدمها، وتعريف المواطن بالمرافق والخدمات التي يحتاج إليها السائح وخصوصاً الفنادق والمنتجعات والشقق السكنية والمتنزهات المتنوعة والأسواق والمطاعم وغير ذلك.

وقد شهد صيف هذا العام كذلك استنفاراً لكافة الأجهزة الحكومية في المناطق والمحافظات وخاصة الخدمية منها، ومع كل الجهود التي تبذل فإن عين الرضا لا ترقى لأمنيات المواطن وتطلعاته خاصة في ظل الحملات والإغراءات التي تسوقها وكالات السفر والسياحة بشتى الوسائل لجذب المواطن للسفر للخارج، الأمر الذي يجعل المقارنة غير عادلة بين السياحة الداخلية والسياحة في الخارج. وأمام الهيئة العامة للسياحة والآثار تحديات كبرى للتخطيط لسياحة واعدة ترضي كافة شرائح المجتمع.

ولعل أزمة المياه واحدة من المشكلات التي واجهها المواطنون في عدد من مدن المملكة، وهذا ما حدا بالكاتب (محمد الصالحي) بأن يبث همومه عبر العمود الذي يحتله نيابة عن (صالح الشيحي) في صحيفة الوطن من خلال المقال الذي وضع عنوانه (سمو الأمير.. لا تتعب نفسك)، وهو عبارة عن صرخة قوية عن شح المياه، وساءه منظر لعائلة خليجية تحمل جوالين الماء من المسجد القريب إلى شقتهم الفارهة.. ويتألم الكاتب حسرة على معاناة أبناء الوطن في نقص هذا المورد المهم الذي يعد أحد أهم البني التحتية للحياة عوضاً عن أهميته للسياحة. أما الأمير الموجه له النداء فهو سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز الأمين العام للهيئة العامة للسياحة والآثار. ولي هنا وقفتان:

الأولى: موجهة للكاتب محمد الصالحي لأشكره على وطنيته وإيمانه بالسياحة الوطنية واعتزازه بها، وأقول له اثبت على موقفك ودفاعك في كل ما يخدم الوطن والمواطن، ولعل في ذلك تحفيز للمصالح الحكومية المعنية بالبني التحتية لمضاعفة الجهود لتنفيذ المشروعات الحيوية، وخصوصاً خدمات المياه، ففي ذلك طمأنينة للمواطن وراحة للسائح. أما إخواننا وأهلنا من الخليج فهم منا وفينا وقد كانوا سبّاقين لاختيار منطقة عسير وغيرها من المناطق ذات الطبيعة الجميلة وذلك قبل سنوات بعيدة. وقبل أن نعرف ماذا تعني كلمة (سياحة) وهم أيضاً يعلمون أبعاد شح المياه في منطقة الخليج وهمومها. وأعتقد أن أعداد الزوار من أهلنا في الخليج تتضاعف سنة بعد أخرى لمناطق المملكة وخاصة منطقة عسير الجميلة، ونأمل إن شاء الله ألا تتكرر معاناة أي منهم بأي شكل من الأشكال. ولعلي ألقي اللوم على القطاع الخاص وأصحاب الأملاك التي يؤجرونها على السواح والزوار ويقبضون أجورهم كاملة، فلماذا لا يتحملون مسؤوليتهم، فالمكسب لهم والمصلحة لهم؟ أعتقد أن الأخ محمد الصالحي يشاركني في ذلك!

الثانية: وهي للأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز، فقد اختير سموه لهذه المسؤولية لسياحة واعدة تخدم المواطن والزائر على حد سواء، وتوفر مصدر دخل مضاف للاقتصاد الوطني. كما أن سموه يعرف حجم هذه المعاناة ومتطلبات السياحة فلم ينطلق بعيداً عن القطاعات الأخرى الحكومية منها والخاصة والتي لها مصلحة أو عليها مسؤولية، فقد تم إشراكهم في التخطيط الإستراتيجي للسياحة الوطنية بكل أبعادها، ورسم سموه وهو يقود هيئة السياحة أسلوباً عصرياً جديداً للشركاء، وذلك بتوقيع مذكرات تفاهم مع الجهات الحكومية ومع هيئات ومؤسسات خاصة، من أجل تأصيل الشراكة في تنفيذ البرامج والمشروعات السياحية، ووضع الآليات التي تخدم قطاع السياحة، وأنجزت هيئة السياحة دراسات وخطط إستراتيجية متعددة توضح مسؤوليات الشركاء، وأقول سمو الأمير وهو الأمين على التخطيط والتنفيذ لسياحة واعدة في بلادنا (يا سمو الأمير.. تعبك راحة) ولن يذهب جهدك سدى فقد بدأت بشائره تظهر، والقادم أحلى بإذن الله.



alraxhid.saad@yahoo.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد