Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/09/2008 G Issue 13130
الثلاثاء 09 رمضان 1429   العدد  13130
شيء من
الحكمة ضالة المؤمن
محمد عبداللطيف آل الشيخ

يقولون: الفرق بين الحكيم والجاهل أن الأول يناقش في الرأي، والثاني يجادل في الحقائق، أن يكون لك رأياً مختلفاً، لا يعني بالضرورة أن رأيك هو الصواب بعينه، وفي المقابل إذا كان لمن يناقشك رأياً هو على النقيض من رأيك لا يعني - كذلك - أنه يملك الصواب المطلق، أن يلغي أحد منا الآخر، لا يمكن أن يكون مقبولاً في هذا العصر، والعاقل هو الذي لا يهمه من يقول الرأي، بقدر ما يهمه (ماهية) الرأي. فالرجال يعرفون بالحق، ولا يعرف الحق بالرجال.

هذا ما تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ النقاشات (الصحية) التي تدور بين فقهائنا في وسائل الاعلام حول بعض القضايا هذه الأيام، والتي هي خطوة حكيمة اتخذتها القيادة، وها هي تتجذر، لتصبح حقيقة نتعايش معها صباح كل يوم، فالحوار والنقاش ومواجهة الحجة بالحجة هو الأس الذي تبنى عليه الدول، وترتكز عليه فلسفات نخبها، لا يمكن أن نقيم دولة على رأي واحد، ولا يمكن في الوقت ذاته أن (نحارب) التطرف والتشدد والتعصب إلا بتكريس ثقافة الرأي والرأي الآخر، وترسيخ مقولة الإمام مالك رحمه الله (كلنا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر) وأشار إلى قبره صلى الله عليه وسلم.

لا يهم ماذا يتناقشون عليه، ولا يهم من يكون الأقرب إلى الصواب، فالحقيقة حمالة أوجه دائماً وأبداً، ولكن الذي يهمني، وأعتقد أننا في أمس الحاجة إليه، أن نخرج اختلافاتنا - أياً كانت - من تحت الطاولة إلى سطحها، وكما يقول أحد الفلاسفة: (الذي لا يُغير من آرائه لا يصحح أخطاءه، ولا يكون أكثر حكمة في الغد عما هو عليه اليوم)، ولا يمكن للإنسان أن يغير من أفكاره ومن قناعاته، ويصحح من أخطائه، إلا إذا عرضها وناقشه الناس فيها.

ولو راجع أي واحد منا نفسه، ومسيرة قناعاته في الحياة، لوجد أن هناك الكثير من القناعات التي غيرها، بعدما قرأ رأياً مضاداً، أو سمع نقداً لما يحمله من قناعات، فطور من قناعاته، ليصبح اليوم أكثر حكمة من ذي قبل.

ولا يقتل الإنسان مثل المكابرة والعناد، صلابة الرأس التي يراها البعض (ميزة) هي في حقيقتها أكبر عيب من عيوب الإنسان، فهي لا تورث في النتيجة النهائية إلا الخسارة.

والذي يصر على رأيه لمجرد أنه مرتبط بقيمته الأدبية، أو مكانته الاجتماعية، أو هيبته، ويظن أن التراجع (قد) يمس من هذه القيمة سلبياً، فهو واهم بكل تأكيد، أن تقول: (أخطأت)، وتتراجع، دليل على أنك واثق من نفسك، والثقة بالنفس هي أغلى، وكذلك أثمن ما يملكه الإنسان الحكيم، ولنا في قصة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع المرأة التي اعترضت عليه في رأي ما، فعاد عن رأيه، وقال مقولته الشهيرة الخالدة: (أخطأ عمر وأصابت امرأة) أسوة حسنة.

ولا يمكن في رأي أن يرتقي الإنسان بنفسه إلى الحكمة، وأن يكتسب احترام الآخرين، إذا كان يكابر ويغالط، ويؤثر (التعصب) على التسامح، فلا يهمه منطقاً، ولا يسمع حجة من يختلف معه، فتراه في النقاش والحوار كجهاز اتصال تعطلت فيه خاصية الاستقبال، فتحول إلى جهاز يرسل ولا يستقبل، وبعض مثقفينا للأسف الشديد هم من هذه النوعيات، فالذي لا (يسمع) لا يمكن أن يتطور، والذي (يتحدث) أكثر مما يسمع يصبح كالبرك الآسنة التي لا يمكن أن يتغير ماؤها بماء جديد، ليكتنفها - بالضرورة - العفن. والماء الجديد في عالم الأفكار لا يمكن أن يتحقق إلا بسماع الرأي الآخر.

يقول أحد الحكماء: (اللسان لين، لكن ضربة منه تقصم الظهر، وقد تغير مجرى الحياة). إلى اللقاء.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6816 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد