Al Jazirah NewsPaper Tuesday  16/09/2008 G Issue 13137
الثلاثاء 16 رمضان 1429   العدد  13137
أهيب بقومي!
النهب والنهابون قديماً وحديثاً!
فائز موسى البدراني الحربي

عندما نتحدث عن الحياة في بلادنا قبل قيام موحد الجزيرة بتوحيد البلاد على أسس من النظام والشريعة وإرساء هيبة الدولة لحفظ حقوق الناس وحماية خيارهم من أشرارهم، كنا لا نتحرج من القول بأن ظاهرة السلب والنهب كانت من سمات ذلك المجتمع الصحراوي الغارق في غياهب الجهل والغوغائية في ظل غياب السلطة وانعدام النظام والقانون..

ومع أن ذلك المجتمع كان لا يخلو من الأخيار، ولا يعدم بعض الصفات العربية الحميدة التي جبل عليها العرب وهذبها الإسلام كالكرم والشجاعة والعفة والإيثار على النفس، إلاَّ أن ذلك لم يمنع من شيوع ممارسة السلب والنهب واستحلال الدماء والأموال..

ونتيجة لذلك الوضع الفوضوي؛ فقد كان من المألوف أن يصبح الرجل غنياً ويمسي فقيراً، أو يمسي غنياً ويصبح معدماً، بحسب الغارة التي قد تكون في أول النهار فتسمى صَبَاحاً، أو في الليل فتسمى هجاداً، وبين الصباح والهجاد تزهق نفوس، وتسلب أموال، وتتلف ممتلكات، وتتشتت أسر، ويترمل زوجات، ويتأتم أطفال.

وعندما أذن الله لذلك الليل أن ينجلي، وقيض الله الملك عبدالعزيز ليلم شتات البلاد ويطفئ نار الفتنة، تنفس الناس الصعداء، وذاقوا طعم الأمن، ونعموا بالاستقرار والهدوء، وأذهب الله عنهم رجس الجاهلية، وحمى بعضهم من بأس بعض، وأصبح الغزو والسلب والنهب والصباح والهجاد من مصطلحات الماضي التي لا يعرف معناها إلاَّ جيل الآباء والأجداد ممن ولدوا قبل بزوغ شمس التوحيد..

غير أن الأشرار لا يستكينون للحق، والشر الكامن في النفوس البشرية لا يزول منها بالكلية وإن توارى مؤقتاً، ولهذا فإن أصحاب الشر سرعان ما يتكيفون مع الظروف المحيطة بهم ثم يبحثون عن وسائل أخرى يخترقون بها حصون الخير والأمن ويتحايلون فيها على النظام والقانون؛ وهذا ما حدث ويحدث في مجتمعنا الذي نعم الناس فيه بالأمن على أعراضهم وأموالهم، ولم يعودوا يخشون غارات السلب والنهب التي كانت تشن في وضح النهار، مصحوبة بطعم الموت ورائحة البارود؛ لكن الأموال صارت تنهب دون غارات مسلحة وبلا معارك عسكرية، وإنما بغارات سلاحها الحملات الدعائية، وقوادها النصابون والمحتالون، الذين يمنون المواطن بالثراء ثم يستولون على ثرواته، ويعدونه بالغنى فيجلسونه على بساط الفقر..

فقد كثر في السنوات الأخيرة النهابون والنصابون في مجتمعنا، وبلغت هذه الممارسة مبلغاً لافتاً، ووصلت حداً مخجلاً؛ بدليل أنك لا تكاد تجد مواطناً لم يتعرض لهذا النوع من النهب والسلب، ابتداء من شركات التقسيط، ومروراً بالمساهمات التجارية والعقارية، وانتهاء بلعبة الأسهم التي أكلت الأخضر واليابس.

أما أسوأ ما في ظاهرة النهب الحديثة فهو تلبس بعض فرسانها بالمظهر الديني، أو ممارستها من قبل بعض المحسوبين على رجال الدين، ولا أبالغ إذا قلت أن من بين أولئك خطيب جامع كانت آخر خطبة له في مسجده خطبة بليغة خصصها للتحذير من أكل أموال الناس بالباطل، والتذكير بما أعده الله من الويل والعذاب للذين يحتالون على الناس ليأكلوا أموالهم دون وجه حق، وقد حضرت تلك الخطبة بنفسي، ثم فوجئت به خلال أسابيع معدودة يتحول إلى رجل أعمال فجأة، ويعلن عن مساهمات عقارية يسيل لها اللعاب، مستغلاً العواطف الدينية من خلال الإعلان عن مشاريع سكنية مربحة قرب المسجد النبوي، فتدافع الباحثون عن الربح السريع، والراغبون في السكن جوار مسجد المصطفى، وتمكن من خلال ذلك الاحتيال أن يستخرج ما ادخره معلمو ومعلمات بلدته وما حولها من المدن والقرى، وأن يستولي على تلك المدخرات بين عشية وضحاها، حتى صار من أصحاب الملايين ومن مشاهير المجتمع ومن رجال الأعمال المقربين، ثم بدأت رحلة المماطلة في دفع العائدات التي وعد بها المساهمين، ثم أعلن إفلاسه وعجزه عن السداد على طريقة من سبقوه!




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد