Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/09/2008 G Issue 13138
الاربعاء 17 رمضان 1429   العدد  13138
(بندر) قناة أمانة متحركة
بدر بن أحمد كريم

الرشوة تجاوز، واحتيال، وابتزاز، وتخويف، وتدمير، واعتداء على الثوابت.

وقد تخطت (الرشوة) كل الحواجز، وفق مخطط تخويفي ترسيخي، جعلها تتبوأ مرتبة متقدمة من حياة عصابات .

أوقعت خسائر كبيرة في صفوف الناس، وتوافقت مع مصالح فئة مزقت الرشوة مجتمعاتها، وعبثت بمصائرها، ووضعتها على مفترق طرق. في سنوات مضت كرم وزير الشؤون البلدية والقروية (إبراهيم بن عبد الله العنقري) رحمه الله، مهندسين في إحدى بلديات المملكة، رفضا رشوة مقابل غض الطرف عن أخطاء في تنفيذ أحد المشروعات، وقبل أيام صاغ وزير الصحة (الدكتور حمد بن عبد الله المانع) رسائل تقود إلى تأصيل الأمانة، كتبها على جدران الوزارة، والمؤمل أن تكتب على جدران غيرها من أجهزة ومؤسسات حكومية وخاصة، حين أعلن الوزير رفض موظف في وزارته قبول رشوة قدمها اثنان: مواطن ومقيم سوداني باسم شركة توريدات أجهزة ومعدات طبية، تتعامل معها وزارة الصحة.

الموظف الذي رفض الرشوة هو (بندر الشريف) يعمل في مكتب وزير الصحة، مرتبه الشهري (4 آلاف ريال) ويسكن في منزل مستأجر، وعنده (6 أطفال) وكوفئ على أمانته بمبلغ (50 ألف ريال) وكان بوسعه أن يقبل (150 ألف ريال) رشوة يواجه بها موجة غلاء الأسعار!! ويدفع منها فاتورة الكهرباء!! والماء! والهاتف!! وربما مصاريف تعليم أبنائه، وباختصار يؤمن منها حاجات أسرته، ولكنه رفض الرشوة تعففاً، مؤسساً بذلك منظومة أخلاقية محمودة، ومؤصلاً الأمانة التي عرضها الله على السموات والأرض، فأبين أن يحملنها، وحملها الإنسان الظلوم الجهول. كم (بندر الشريف) في المجتمع السعودي؟ وكم موظفاً قبل ويقبل إطعام أسرته من حرام؟ وكم عدد الأجهزة والمؤسسات الحكومية التي واجهت بعزم وحزم، كل من خان الأمانة؟ وكم مواطناً تصدى لإرهاب الرشوة، وأثبت وجوده الإنساني على أرض الواقع؟

لقد تزايدت الرشوة، وأخذت أشكالاً وأنماطاً يعرفها الراشون والمرتشون، وأصبح الراشون أكثرية، أما الرافضون لها فهم أقلية، ولم يبد في الأفق ذوبان الرشوة، فتربتها النفوس المريضة، ونتاجها خراب المجتمعات، والاستهانة بمقدرات أفرادها، والضحايا هنا وهناك، والراشون والمرتشون لم يعد يربطهم بوطنهم أي شيء.إذاً لابد من إعادة النظر في دور الأسرة، والمدرسة، والمعهد، والكلية، والجامعة، بوصفها أدوات تنشئة دينية، واجتماعية، وأخلاقية، كي لا يغرق المجتمع السعودي في أوحال الرشوة، وينبغي ضرب أماكن وجود الراشين والمرتشين، فالسكوت عنهم جريمة، ومقاومتهم فضيلة.

(بندر الشريف) بحق قناة أمانة متحركة، وقد تمنيت أن تكون مكافأته ترفيعه مرتبتين، فذاك - في رأيي- أفضل من مكافأة مالية محدودة.

الرياض : فاكس :4543856



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد