Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/09/2008 G Issue 13138
الاربعاء 17 رمضان 1429   العدد  13138
أنت
السياميان
م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

ولدت عاتكة بنت مروة طفلين ذكرين ملتصقين من ناحية الكعبين .. وسمى أبوهما عبد مناف الأول (عبد شمس) وسمى الثاني (هاشم) .. وقام طبيب الحي آنذاك بفصلهما بسهولة لأنّ الالتصاق كان من خلال جلد رقيق .. لم تزد العملية عن سقوط بضع نقاط بسيطة من الدم .. وظنّ الأبوان أنّ تلك الندبة سوف تزول بعد يوم أو يومين وما علما أنه سيكون لتلك القطرات من الدم شأن آخر .. وهو ما تنبأ به عرّافو ذلك الزمان بأنّ تلك القطرات ما هي سوى نذير شر مستطير سوف يصطلى به أبناؤهما وسوف يعيشون حروباً متصلة لا تعرف هوادة ولا رفقاً .. يموت بسببها خلق كثير ولا تهدأ البغضاء بينهما ولا تستكين الشحناء ولا يلتئم الشمل ولا تجتمع الكلمة حتى تقوم الساعة.

أمسك الأبوان عن إذاعة هذا الخبر المشؤوم لكنه شاع وانتشر وأصبح حديث الناس .. لمَ لا وقد كان عبد مناف رئيس قومه قريش ورأس مكة الأوحد. نشأ عبد شمس وهاشم في كنف أبويهما تحت رعاية فيها من الرفاهة والدلال والرعاية والحرص، ما سعى من خلاله عبد مناف أن ينزع كل سبيل لحدوث شر بين الأخوين، وما درى أنّ الشر لن يحصل بينهما بل في نسلهما .. وسوف يصطلى الناس بسببه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

مات عبد مناف فاجتمعت كلمة قريش على أن يتولى (هاشم) الرئاسة والسقاية والرفادة بعد أبيه .. وأحسن هاشم العمل حتى اجتمعت عليه أفئدة الناس .. ونهض بالتجارة وبدأ رحلة الشتاء إلى اليمن والحبشة ورحلة الصيف إلى الشام .. وفتح بذلك آفاقاً جديدة كانت لا شك النواة الأولى لبناء الحضارة العربية التي ورثت الحضارة الفارسية والرومانية وتسيدتهما أربعمائة عام حتى سقوط الدولة العباسية .. وكان عبد شمس يرى كل ذلك ويؤذيه ارتفاع شأن أخيه وخمول شأنه .. ويموت هاشم ولا تعود الرئاسة إلى أخيه بل إلى ابنه عبدالمطلب .. ثم يموت عبد شمس فيرى ابنه (أمية) أنّ العز الذي حرم منه أبوه قد ذهب إلى ابن عمه .. فعاش نفس الحسرة التي عاشها أبوه.

سار عبدالمطلب سير أبيه فحفر بئر زمزم .. ثم جاء أبرهة بجيوشه لهدم الكعبة .. فيخرج إليه عبد المطلب يكلمه .. ويرقب الناس سعي سيدهم .. ولا يطول بهم الانتظار ولا الترقب حتى يروا نتيجة سعيه فيرون كيف حصد الموت هؤلاء الجنود وكيف اندحر هذا الجيش العرمرم .. فرأى فيه الناس السيد الميمون وازدادوا به تعلقاً وحباً.

وما أن بعث الله بنبيه من فرع (هاشم) حتى كان أشد الناس عداوة وعناداً له هم بنو أمية بن عبد شمس بن عبد مناف .. والظن الراجح أنهم لم يعادوه تكذيباً أو عدم اقتناع بل لأنهم رأوا مجداً جديداً يضاف إلى بنى هاشم .. حتى قال أبو جهل قولته الشهيرة: (تنازعنا مع بني هاشم الشرف، أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منّا نبي يأتيه الوحي من السماء .. فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه).

ويهجر الرسول صلى الله عليه وسلم مكة ويقبل عليه الناس .. وتدين القبائل بدينه ... إلاّ قريشاً تظل تدبر له المكائد حتى يحاربهم، ثم يدخل مكة فاتحاً فلا يجد سادة قريش سوى الدخول في الدين الجديد صاغرين .. ولكن الإسلام الذي استل الكبائر من بني عبد شمس لم يستل حقدهم على بني هاشم .. فاجتمعوا مع أبناء عمومتهم على الإسلام ديناً .. واختلفوا معهم على الرئاسة والدنيا .. وما أحبوا أن يغلبوا من أبناء عمومتهم وهم مسلمون بعد أن غلبوهم عليها وهم كفار .. ويجتمع المسلمون في السقيفة بعد وفاة الرسول .. وتظهر القبلية بعد اختيار أبي بكر رضي الله عنه، ثم يقول أبو سفيان: (ما لنا ولأبي بكر؟ .. إنما هي لبني عبد مناف) .. ثم يذهب إلى علي بن أبي طالب ليقول له (ابسط إلي يدك حتى أبايعك أبا الحسن) فيرد عليه علي كرم الله وجهه (إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة .. وإنك والله طالما بغيت الإسلام شراً .. لا حاجة لنا في نصيحتك).

ثم يمضي أبو بكر ثم عمر رضي الله عنهما ثم يختار الناس عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس خليفة من بين نفر سماهم عمر رضي الله عنه .. وما يكاد يمضي عثمان رضي الله عنه مقتولاً حتى يلتفت الهاشميون ويجعلونها لعلي .. ويلقاه الأمويون بالكيد والتجريح تحت كل المبررات الممكنة ومنها تساهله في تتبع قتلة عثمان.



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5913 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد