Al Jazirah NewsPaper Monday  22/09/2008 G Issue 13143
الأثنين 22 رمضان 1429   العدد  13143
د. الدويش يطرح فكرة مشروع (معتكفي أنسي وراحتي) في عامه الأول

الرس - منصور الحمود:

ضمن الجهود التي يقوم بها الداعية الشيخ الدكتور إبراهيم بن عبدالله الدويش خطيب جامع الملك عبدالعزيز في محافظة الرس وبمناسبة سنة الاعتكاف التي حرص عليها نبينا - صلى الله عليه وسلم - كان لفضيلة الشيخ الدويش هذا التوجه بعنوان (معتكفي أنسي وراحتي) في عامه الأول تحدث فضيلته، وقال:

الاعتكاف دورة تدريبية سنوية مكثفة، جاءت بها السنة النبوية، لها أثر عجيب، وفعل في النفس غريب. الاعتكاف هو: لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل، وقيل: قطع العلائق عن الخلائق، لعبادة الخالق.

وهو إخلاء للقلب من الشواغل عن ذكر الله، والتفرغ لعبادة الله، بالتفكر، والدعاء، والذكر، والاستغفار، وقراءة القرآن، والصلاة، والتوبة، والانكسار. فهنيئًا للمعتكفين فقد أقبلت أيام اللقاء، أيام الصفاء، أيام الحنين، أقبلت أيام الاعتكاف، فحنت لها قلوب المحبين. كم من معتكف هذه الأيام تقول زوجه: واحزناه، وهو يقول: واطرباه، فقد أتاه ما أشغله وألهاه. خلوات، ودعوات، ودمعات، وآيات بينات، وذكر ومناجاة، وركعات وسجدات.

الفكرة

اعتكاف مجموعة متقاربة في العمر ومتجانسة في مسجد خلال العشر الأواخر من رمضان.

الهدف

علاج الفتور وضعف الوازع الإيماني في النفس وذلك باستثمار سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان في زيادة التربية الإيمانية وتهذيب النفس.. عبر التربية بالقدوة والتنافس بين الأقران والتعاون على البر والتقوى.

وهو من السنن الثابتة بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

سارعوا إلى إحياء سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد قال الزهري رحمه الله: عجبًا للمسلمين! تركوا سنة الاعتكاف، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة حتى قبضه الله عز وجل، قال الله عز وجل: (وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون).

وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم، واعتكف أصحابه معه وبعده، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأُوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ عَلَى سُدَّتِهَا حَصِيرٌ، قَالَ: فَأَخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا فِي نَاحِيَةِ الْقُبَّةِ، ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ، فَكَلَّمَ النَّاسَ، فَدَنَوْا مِنْهُ، فَقَالَ: (إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الْأَوْسَطَ، ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي: إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ).

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ منْ بَعْدِهِ).

وفي صحيح البخاري عنها قالت: (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا).

الاعتكاف فرصة لتربية النفس

في الاعتكاف حماية للقلب من فضول الكلام، ومخالطة الأنام، فيقبل المعتكف على الله - تعالى- بالقرآن والقيام. وفيه حماية من كثرة النوم والطعام، فإنما اعتكف في المسجد للعبادة، وليس ليأكل أو ينام، ومن تأمل في نفسه علم أن كثرة الخلطة والكلام، والنوم والطعام، لها أضرار جسام، وأن التخلص من فضولها يسهم في دفع القلب نحو الاستقامة والالتزام.

وفي الاعتكاف: يجتمع القلب، وتسمو الروح، وتصفو النفس، ويخلو البال.

وفي الاعتكاف: مناجاة الحبيب لمحبوبه، وخضوع العبد بين يدي معبوده، فلا تسمع إلا همسات المحبين، وأزيز الخاشعين، وأنين التائبين، وآهات المذنبين.

وفي الاعتكاف: نعيم الدنيا وبهجتها، فهو المنهل العذب للصالحين، والمورد الزلال للمتقين.

الاعتكاف حياة ولذة للروح

لله ما ألذ سجود المعتكفين! قال ابن وهب: (رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب، صلّى، ثم سجد سجدة فلم يرفع رأسه حتى نودي بالعشاء).

لله ما أجمل ليل المعتكفين، دعاء وحنين، وبكاء وأنين، قال أبو سليمان: (أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا).

يا سعادة المعتكفين بلحظات السحر، إذا انصرف الناس بعد صلاة القيام لبيوتهم، وهم في بيوت الله جالسون، يناجون ربهم هيبةً له وإجلالاً، يستغفرون استغفار من قد تيقن أنه هالك إن لم يغفر له ويرحمه، ولسان حاله يقول: إلهي انصرف الناس إلى خدورهم، فخلا كل خليل بخليله يناجيه، وبقيت أنا أناجيك، وأنا أحبك وأحب من يحبك.

فأنت عندي كروحي بل أنت منها أحب

حسبي من الحب أني لما تحب أحب

ما أحسن تفكر المعتكفين وقلة كلامهم، ويا لله ما أعظم أجر المعتكفين بجلوسهم ببيت رب العالمين، فمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّق بِالْمَساْجِدِ) البخاري، (إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ، وَالْمَلَائِكَةُ تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ يُحْدِثْ).

يا الله ما أسعد المعتكف بالمحافظة على سنة الفجر، والإشراق، ونوافل مطلقة ومقيدة. لله ما أروع الجد والسمت في حياة المعتكفين! قال أبو عبيد القاسم بن سلام: (كنت مستلقيًا في المسجد الحرام، فجاءتني عائشة المكيّة - وكانت من العارفات - فقالت: يا أبا عبيد! لا تجالسه إلا بأدب؛ وإلا محاك من ديوان العلماء والصالحين).

لا تسوف.. واحذر حيل النفس

استعن بالله، وتوكل على الله، واملأ القلب باليقين، واستشعر رقابة الله، وتذكر فجأة الموت، واعلم أن الشيطان سيجلب عليك بخيله ورجله، وسيرسم لك كثرة الأشغال، وسيضع العراقيل والعقبات، ولكن إن هي إلا لحظات، فتدلف بنية صادقة، وعزيمة ثابتة من عتبة المسجد، وستعلم حينها أنما هي أوهام وتخيلات، وستشعر بلذة حبيبة، وسعادة غريبة.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد