Al Jazirah NewsPaper Monday  22/09/2008 G Issue 13143
الأثنين 22 رمضان 1429   العدد  13143
من القلب
غياب المؤسساتية عن لجان التحكيم !!
صالح رضا

لاشك أن مشاكل تحكيم كرة القدم موجودة في كل بلد توجد به لعبة كرة القدم، فأينما وجدت كرة القدم وجدت المشاكل التحكيمية، وهذه المشاكل تختلف من بلد لآخر، فهناك البلدان التي توجد بها مكاتب الرهانات وهذه نفوذها كبير إذ تنشر هذه المكاتب الرشاوي وتبيع المباريات وترشي الحكام وحتى اللاعبين، ونحن نحمد الله أن بلدنا بعيد كل البعد عن مثل تلك الممارسات المحرمة شرعا وقانونا، وليس ذلك بمكمن خطر على التحكيم المحلي ولله الحمد، ولكن الخطر الذي يهدد مسيرة التحكيم لدينا هو نقص العمل المؤسسي وطغيان العمل الفردي الاجتهادي على أعمال لجان التحكيم.

وثقافة العمل المؤسسي في الشأن الرياضي عموماً وفي لجان تحكيم كرة القدم خصوصاً تختلف من بلد لآخر أيضا، فرغم أن قانون كرة القدم واحد وفهمه متاح للصغير قبل الكبير ولا يحتاج لجهد خارق في فهمه ومعرفة أسراره، إلا أن جودة العمل الذي يبنى على أسس متينة ومتجذرة لا تتأثر بتغيير الأفراد أو تغيبهم هي التي لا تجعل هناك اختلاف في العمل المؤسسي في لجان تحكيم كرة القدم كما لا تظهر الاختلافات في مفهوم قانون كرة القدم.. بمعنى أنه عندما تكون لجنة الحكام نفسها تقوم على ثقافة مؤسساتية لها من الضوابط والقيم والمبادئ ما يحصنها من سيطرة الفرد ويبعدها عن الفردية والمزاجية تكون ضوابطها متقنة ومقننة وعالية القيم والقيمة، فلا أحد يستطيع الخروج عن هيمنتها الأخلاقية وبالتالي تكون مخرجاتها فعالة ومعطاءة ومبدعة ومحصنة ضد الرشوة بجميع أنواعها وضد الضغوط مهما تكن مصادرها، لذلك فالحكم تحت مظلة العمل المؤسساتي يكون له من القوة المعنوية والتحصين الفكري ما يجعله يدير أية مباراة مهما كانت أهميتها بكل جدارة وحيادية وراحة ضمير.

تلك المخرجات هي المقياس الحقيقي لنجاح المؤسسة التحكيمية من عدمه، فإذا تكرر إخفاق الحكام في الميدان فهذا معناه أن الخلل موجود باللجنة نفسها؛ لأنها لم تستطع ترسيخ قيمها في سلوك ذلك الحكم وهي التي تتحمل المسؤولية كاملة وعليها بتطوير نفسها أو إفساح المجال لآخرين أكثر معرفة بالعمل المؤسساتي المنظم والمنتج وتفعيل أدواته وقيمه وبالتالي ترسيخها في أذهان الحكام من ناحية وفي فكر الوسط الرياضي من جهة أخرى، وفي اعتقادي أن العمل بالرأي الفردي والرأي الاستشاري هو الذي يحصل عندنا وإلا كيف نفسر الإخفاق في التحكيم مباراة تلو الأخرى وموسما تلو الآخر.. ناهيك عن الإخفاق الكبير في المباراة الجماهيرية الأولى في موسمنا هذا بين الأهلي والنصر.

إن التغيير مطلب في كل أمر والركود نتائجه سيئة وهدامة ومرضية، وآلية التغيير لدينا في لجان التحكيم اجتهادية أو لنقل مزاجية، فغالبا ما تتغير اللجنة متى ما حصلت طامة كبرى في نهائي أو غيره عندها تحل لجنة وتعود أخرى لا جديد لديها غير برامج سقيمة ومواقف عنترية تبرر كبوات حكامها والدفاع المستميت عنهم، وفي واقع الأمر هم يدافعون عن أنفسهم لأن مؤشر الفشل يتجه إليهم وهذا مالا يريدونه فيكون دفاعهم المستميت إنما هو دفاع عن النفس والمركز الوظيفي ليس إلا، وأعلم أن لدى لجنة الحكام برامجها التطويرية ولكن المراقب المنصف سيستنتج رداءة تلك البرامج من سوء مخرجاتها في الميدان واستمرار ذلك السوء موسماً بعد آخر مما يجعلهم دوما يدافعون عن أنفسهم وحكامهم بكلام إنشائي لا يقدم بل يؤخر بل يذر الرماد في العيون فقط.

هذا ويؤكد العارفون بالوضع الرياضي بإنجلترا أن رئيس لجنة الحكام لديهم يبادر بتقديم استقالته فور فشل أحد حكامه في مباراة واحدة دون النظر إلى من يكون الفريق المتضرر أو الفريق المستفيد أو الحكم المخطئ، وتقبل استقالته ويتم انتخاب رئيس آخر من عناصر أكثر تثقيفا وأكثر إنتاجا، وعادة ما يكون من الأكاديميين عمداء الكليات التربوية والتقنية الذي يقدم برامج لجنته ويتم تفعيلها بعد أن تبنى على البرامج الناجحة الموجودة أصلا كثوابت.. فالفرد ليس له أن يسن النظم؛ لأن العمل يقوم على الثقافة المؤسساتية ذات الأطر العامة التي يعمل من خلالها رئيس اللجنة ولجنته وتعطى كل الصلاحيات، علماً بأنهم في حال الخطأ لا ينتظرون أن يقيلهم أحد بل يبادر عادة رئيس اللجنة بالاستقالة من نفسه وترك المجال لمن هو أكثر كفاءة وأفضل عطاء في تطبيق العمل المؤسسي لاستكمال العمل ومحاولة مراجعته وتحديثه ومع ذلك لو أخفق حكم ساحة أو حكم مساعد في إدارة إحدى المباريات مرة أخرى لكانت المسؤولية تقع على رئيس اللجنة الذي فشل في زرع قيم العمل التحكيمي بين أفراد اللجنة ومنهم الحكام.

هذا ومن المروءة لديهم ألا يتهرب رئيس اللجنة من المسؤولية فيكون شجاعا ويقدم استقالته قبل أن يقال، بينما لدينا يتشبث مسؤولو التحكيم بكراسيهم بشكل مستمر في حين يكون التغيير مطلب حتمي تمليه ثقافة الواقع والحياة نفسها التي تؤكد أنه ليس هناك ثابت وباق إلا وجه الله الكريم، فحركة الحياة نفسها تحتم علينا فهم ثقافة التغيير وتقبله بنفس راضية هي من صفاتنا نحن المؤمنين المسلمين.

وبالعودة لمؤسسة التحكيم الإنجليزية نراها جزءا من المؤسسات التي تنتظم تحت لوائها كل نواحي الحياة هناك، ولو لم تكن لديهم تلك الثقافة والعمل المؤسسي لما استطاعوا أن تكون بلادهم ذات صبغة منتجة فرضت وجودها وجودتها في كل أنحاء العالم ونحن (نائمون في العسل) ليس لدينا غير الإخفاق تلو الإخفاق ومن ثم التبرير في حالة مستمرة وسرمدية، فلا أحد يريد أن يعطي من هو أكفأ منه الفرصة لخدمة المجال التحكيمي رغم أن ديننا الحنيف يحثنا على القراءة أولاً، ثم العمل المنظم والمؤطر والمؤسساتي لا الاجتهادي كما هو حاصل لدينا.

إن العمل المؤسسي له من القيم والثوابت ما يكبح الحكم من تجازوها؛ لأن ذلك التجاوز يعتبر (خيانة) للقيم التي تقوم عليها المؤسسة التحكيمية والتي من المفترض أن يكون الحكم فيها مخلصاً لتلك القيم والمبادئ وحريصاً على تنفيذ قيمها التي تتمثل في العدالة داخل المستطيل الأخضر.

فمتى ننتقل من العمل الفردي الاجتهادي وأيضا من المكوث غير المنتج في الوظيفة من المهد إلى اللحد إلى العمل المؤسسي الشامل وقبول ثقافة الانتخاب وحتمية التغيير؟!!.. عندها فقط لا نحتاج للحكم الأجنبي في ملاعبنا، وعندها فقط يعمل الجميع في منظومة تحترم قيمها ونزاهتها مما ينعكس على الحكام في كل الميادين دون الإخلال بالقيم المؤسسية أو المؤسساتية، وبالتالي يطبق قانون كرة القدم في كل الأرجاء مشهراً قيم العدل وتطبيقها على الجميع سواسية كأسنان المشط.. والله من وراء القصد.

* نبضة:

تداووا بالصدقات!!



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6891 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد