Al Jazirah NewsPaper Wednesday  24/09/2008 G Issue 13145
الاربعاء 24 رمضان 1429   العدد  13145
حالة العالم
بان كي مون

لا أحد منّا لا يدرك المخاطر التي تتهدّد عالمنا اليوم.. الأزمة المالية العالمية، وأزمة الطاقة العالمية. وأزمة الغذاء العالمية، ومحادثات التجارة المنهارة، وفوق كل هذا.. هناك الحروب وأعمال العنف التي تندلع في مناطق متفرّقة من العالم، فضلاً عن تغيّر المناخ الذي بات يهدّد كوكبنا على نحو متزايد. ونحن نقول إن المشاكل العالمية تتطلب حلولاً عالمية.

ولكن هل بادر أي منا إلى العمل؟ الحقيقة أننا نواجه اليوم أيضاً أزمة من نوع مختلف - والتي تتجسد في تحدي الزعامة العالمية. فقد نشأت مراكز جديدة للقوى والزعامة - في آسيا، وأميركا اللاتينية، وفي العديد من الدول التي أصبحت مؤخراً تستحق أن تندرج تحت فئة بلدان العالم المتقدم.

في هذا العالم الجديد باتت التحديات مرتبطة على نحو متزايد بالتعاون، وليس المواجهة. فلم يعد بوسع الأمم أن تحمي مصالحها، أو أن تعزّز من رفاهية شعوبها، بدون الشراكة مع بقية الأمم.

بيد أنني أرى خطراً متمثلاً في انكفاء بعض الدول إلى الداخل بدلاً من النظر إلى مستقبل قائم على الشراكة مع الآخرين. كما أرى خطر التراجع عن التقدم الذي أحرزناه، وخاصة في مجال التنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة في تقاسم ثمار النمو العالمي.

أجل، لقد نجح النمو العالمي في انتشال المليارات من الناس من الفقر. ومع ذلك فإن كنت من بين فقراء العالم الآن فأنت لم تشعر من قبل قط بوطأة الفقر بمثل هذه الحدة. أجل، لم يحدث من قبل قط أن تبنى مثل هذا العدد الكبير من الأمم قواعد القانون والعدالة الدولية، ومع ذلك فإن من يعيشون في بلدان، حيث تنتهك حقوق الإنسان فهم لم يشهدوا من قبل قط مثل ما يتعرضون إليه الآن من ظلم وجور.

أجل، يعيش أغلبنا في سلام وأمن، ورغم ذلك فإن العنف يتصاعد في العديد من البلدان: في أفغانستان، والصومال، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، والعراق، والسودان.

إن أزمة الغذاء العالمية لن تحل نفسها بنفسها. وربما تكون الآن قد بدأت بالفعل في الاختفاء من العناوين الرئيسية. في مثل هذا هذا من العام الماضي كان طن الأرز يكلّف 330 دولاراً أميركياً، أما اليوم فقد بلغ سعره 730 دولاراً للطن. حتى إن من تعود من الناس على شراء الأرز بالجوال بات اليوم يحصل عليه بالحفنة. ومن تعودوا على تناول وجبتين في اليوم يتناولون الآن وجبة واحدة يومياً.

لقد ركزت الأمم المتحدة على توفير البذور والمخصبات الزراعية بين أيدي صغار المزارعين. ونحن نسعى الآن إلى إحداث (ثورة خضراء) جديدة في إفريقيا. بيد أننا نفتقر إلى الموارد الكافية. وما بذله المجتمع الدولي من وعود لم يرق إلى العمل الجاد.

ولكن من الخطورة بمكان أن نتصور أن الأمم المتحدة قادرة على علاج مشاكل اليوم المعقدة دون الحصول على الدعم الكامل من بلدانها الأعضاء. ففي دارفور على سبيل المثال نواجه تحدياً متواصلاً يتمثّل في الوفاء بالجدول الزمني لنشر القوات. ونحن نفتقر إلى الأصول اللازمة والعاملين. ولا شك أن الصلاحيات تصبح فارغة وبلا جدوى ما لم تصاحبها الموارد الكافية.

والآن أصبح عملنا بالكامل - تمويل التنمية، والإنفاق الاجتماعي في الدول الغنية والفقيرة، وتحقيق أهداف تنمية الألفية، وتمويل مهام حفظ السلام - عُرضة للخطر بسبب الأزمة المالية العالمية. لقد بات لزاماً علينا أن نعيد النظام إلى أسواق المال الدولية. ويتعين علينا أن نفكر في نظام اقتصادي عالمي جديد يعكس بشكل أكثر اكتمالاً الحقائق المتغيرة في عصرنا الحاضر.

وهذه الحقائق تدعو إلى العمل الدؤوب من جانب الأمم المتحدة على العديد من الجبهات: مكافحة الملاريا ومرض الإيدز، وتقليص معدلات الوفاة بين الأمهات والأطفال، ومكافحة الإرهاب العالمي، وضمان نزع السلاح النووي والحد من انتشاره. وفي شبه الجزيرة الكورية لا بد من تنفيذ كافة الاتفاقيات التي تم التوصل إليها من خلال المحادثات السداسية، ويتعيّن على إيران أن تذعن لقرارات مجلس الأمن وأن تتعاون بشكل كامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويتطلب مجال حقوق الإنسان في المقام الأول قدراً عظيماً من اليقظة من جانباً. فلا بد من التعامل مع العدالة باعتبارها من أهم الأعمدة التي يقوم عليها السلام والأمن والتنمية. ويتعيّن علينا أن نطور مبدأ (المسؤولية عن الحماية). فرغم المصاعب السياسية الحقيقية، لا يجوز لنا أن نترك الجرائم ضد الإنسانية تمر دون عقاب.

ما زالت مسألة تغير المناخ تشكل قضية مصيرية في عصرنا هذا. ويتعين علينا أن نسترد حماسنا في التعامل مع هذه القضية. والاختبار الأول لنا في هذا السياق سوف يأتي بعد ثلاثة أشهر في بوزنان ببولندا. وحين يأتي ذلك الوقت يتعين علينا أن نتبنى رؤية مشتركة لاتفاقية جديدة خاصة بتغير مناخ العالم لكي تحل محل بروتوكول كيوتو، الذي ينتهي العمل به في العام 2012 .

إن الأساس الذي يقوم عليه عمل الأمم المتحدة بالكامل يتلخص في تحمل المسؤولية. ويتعين علينا أن نغير ثقافة الأمم المتحدة. فلا بد أن نكون أسرع حركة وأكثر مرونة وأشد فعالية - وأكثر حداثة. كما يتعين علينا أن نستبدل نظامنا الحالي القائم على التعاقدات وشروط الخدمة، الذي أصبح يتسم بالاختلال الوظيفي وإعاقة القدرة على الحركة.

ولكن لا بد أن تتحمّل البلدان الأعضاء بالأمم المتحدة مسؤولياتها أيضاً. ولا يجوز لنا أن نستمر في إصدار القرارات التي تنص على التفويض بالقيام بعمليات حفظ السلام دون توفير القوات والأرصدة المالية والمواد اللازمة. فلا يجوز لنا أن نرسل العاملين الشجعان بالأمم المتحدة - الذين قُتِل منهم 25 هذا العام وحده - إلى مختلف أنحاء العالم دون أن نضمن لهم الأمن. ولن يتسنى لنا أن نصلح هذه المنظمة دون توفير الموارد اللازمة.

إن كل ما نعيشه اليوم من شكوك سوف ينقضي ويزول، بيد أن هذا لن يحدث إلا إذا عملنا بحكمة وبقدر أعظم من الشعور بالمسؤولية. وإذا نجحنا في تحقيق هذه الغاية فإننا بهذا نجهز المسرح لعصر جديد من الاستقرار والرخاء العالمي، الذي سوف يكون أوسع انتشاراً وأعدل توزيعاً.

بان كي مون أمين عام الأمم المتحدة
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008 .
خاص بـ (الجزيرة)



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد