Al Jazirah NewsPaper Thursday  25/09/2008 G Issue 13146
الخميس 25 رمضان 1429   العدد  13146
الولايات المتحدة وأجندة جديدة من أجل أمريكا اللاتينية
جورج ج. كاستانيدا

إن إصلاح الفوضى الدولية الموروثة عن إدارة بوش لن يكون بالمهمة اليسيرة بالنسبة للرئيس الأمريكي القادم.

ورغم أن أمريكا اللاتينية لن تكون على قائمة أولويات الإدارة الأمريكية القادمة سواء كان على رأسها أوباما أو ماكين، فإن استمرار الولايات المتحدة في إهمالها الذي دام طيلة السنوات السبع الماضية لم يعد بالأمر الوارد على الإطلاق.

وهنا يبرز تحديان سياسيان دبلوماسيان واضحان: أزمة انتقال الحكم أو الخلافة الوشيكة في كوبا، واستمرار صعود المسارين اليساريين المختلفين في المنطقة، الأول متمثلاً في رئيس فنزويلا هوجو شافيز، والثاني الذي يمثله الرئيس البرازيلي المتزايد النفوذ لويز إناسيو لولا داسيلفا.

ولن تتمكن الإدارة الأمريكية القادمة من إثبات نجاحها إلا حين تدرك أن أمريكا اللاتينية تعيش الآن لحظة تجمع بين أفضل وأسوأ المظاهر في تاريخها: معدلات النمو الاقتصادي الأسرع منذ سبعينيات القرن العشرين، وتقلص الفقر والتفاوت بين الناس، فضلاً عن بروز قدر من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لم يسبق له مثيل؛ بيد أن كل ذلك يأتي مصحوباً بقدر عظيم من الاستقطاب السياسي.

ففي كوبا، يشكل خروج فيدل كاسترو من المشهد في النهاية تحدياً هائلاً. ولا يجوز للولايات المتحدة أن تستمر في تبني نفس السياسات التي أثبتت فشلها طيلة نصف القرن الماضي.

إذ إن المطالبة بالتحول التام نحو الديمقراطية كشرط مسبق لتطبيع العلاقات بين الولايات المتحدة وكوبا أمر غير واقعي وغير مستساغ بالنسبة لأمريكا اللاتينية.

بيد أن الولايات المتحدة لا تستطيع أن تتجاهل مسألة الديمقراطية وحقوق الإنسان في كوبا بينما تنتظر رحيل راؤول شقيق فيدل.

إن سياسة الأمر الواقع والخوف من نزوح آخر للاجئين الكوبيين عبر مضيق فلوريدا قد يدفعان الولايات المتحدة إلى البحث عن حل لمشكلة كوبا أشبه بالحل الذي تبنته مع الصين أو فيتنام، الذي يتلخص في تطبيع العلاقات الدبلوماسية في مقابل الإصلاح الاقتصادي، وتأجيل مسألة التغيير السياسي الداخلي لوقت لاحق.

ولكن يتعين على الولايات المتحدة ألا تستسلم لهذا الإغراء.

لقد اشتركت الولايات المتحدة، وكندا، وأوروبا، وأمريكا اللاتينية في تأسيس نظام قانوني إقليمي، ولا ينبغي التخلي عن هذا النظام بحجة الدفاع عن الحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان في نصف الكرة الأرضية الغربي.

إن كوبا في حاجة إلى العودة إلى انسجام القوى الإقليمية، ولكن يتعين عليها أن تتقبل القواعد التي يمليها هذا الانسجام. وقد لا تكون القضية الرئيسية هنا عقد انتخابات حرة نزيهة، إلا أنها ليست بالقضية التي نستطيع أن نتجاوز عنها لمصلحة الاستقرار والمنفعة.

بل لابد وأن تشكل الانتخابات جزءاً من عملية تطبيع شاملة: فلا ينبغي لها أن تكون سبباً في كسر الاتفاق ولا ينبغي لنا أن نتعامل معها باعتبارها أمراً لا يستحق الاهتمام.

وبينما يتعين على الولايات المتحدة أن تسارع إلى رفع حظرها التجاري بمجرد بداية عملية التحول في كوبا، فإن كل شيء آخر لابد وأن يكون مشروطاً بشروع كوبا في عملية شاملة لحل كل القضايا المعلقة. بيد أن كوبا مجرد جزء مما نستطيع أن نطلق عليه مشكلة (اليسار) في أمريكا اللاتينية.

لقد شهدت الآونة الأخيرة الكثير من الكتابات والمناقشات حول صعود اليسار في أمريكا اللاتينية أثناء العقد الماضي. والحقيقة أن المنطقة تحتوي على مسارين يساريين مختلفين: يسار عصري ديمقراطي يميل إلى العولمة ونظام السوق، وهو ما نستطيع أن نجده في شيلي والبرازيل والأوروغواي وأجزاء من أمريكا الوسطى، وفي بيرو إلى حد ما؛ ويسار رجعي شعوبي استبدادي دولاني ومناهض لأمريكا، وهو ما نستطيع أن نجده في المكسيك والسلفادور ونيكاراجوا وكوبا والإكوادور وبوليفيا وفنزويلا، وإلى درجة أقل في الأرجنتين وكولومبيا وباراجواي. وبعض هذه الأنظمة اليسارية تعتلي السلطة بالفعل؛ وبعضها كاد يعتلي السلطة، وما زال بوسعه أن يفعل ذلك، كما شهدنا في الانتخابات الرئاسية الأخيرة المختلف عليها في المكسيك.

لقد بات من الواضح على نحو متزايد أثناء العامين الماضيين أن اليسار (المعاصر) أو (الناعم) يحكم على نحو طيب في الإجمال. أما اليسار الآخر فقد أثبت أنه أكثر تطرفاً وشذوذاً مما توقع العديد من الناس. واليسار الأول لا يشعر بضرورة (تصدير) نموذجه، بينما يملك اليسار الآخر الاستراتيجية والسبل اللازمة لذلك.

لقد بات بوسع اليسار الرجعي اليوم أن يحقق حلم تشيه جيفارا القديم: (ليس فيتنامي واحد أو اثنين أو العديد من الفيتناميين، بل فنزويلي واحد واثنين والعديد من الفنزوليين"، فيفوز بالسلطة عن طريق صناديق الاقتراع ثم يحافظ عليها ويركزها من خلال التعديلات الدستورية وتأسيس الميلشيات المسلحة والأحزاب الضخمة الموحدة. ويستطيع اليسار الرجعي تمويل كل هذا بالاستعانة بدعم شركة النفط التابعة لدولة فنزويلا، فيطبق سياسات اجتماعية مضللة على الأمد البعيد ولكنها مغرية في الأمد القريب، وخاصة حين يتولى تنفيذها أطباء ومعلمون ومدربون من كوبا.

وهنا تكمن المعضلة بالنسبة لرئيس الولايات المتحدة القادم: فكيف له أن يتعامل مع الصدع الواضح بين هذين المسارين اليساريين المختلفين على النحو الذي ينجح به في تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية، وتحصين وتعزيز اليسار المعاصر، وإضعاف اليسار الرجعي دون اللجوء إلى سياسات الماضي التدخلية.

إن أفضل الخطوات التي تركز على أمريكا اللاتينية بشكل كامل هي في الواقع خطوات بديهية، إن لم يكن إنجازها في غاية السهولة. إن الأمر يتطلب تعزيز قوة حكومات اليسار المعاصر، أو حكومات الوسط ويمين الوسط المهددة من قِبَل اليسار التقليدي العتيق، وفي الوقت نفسه إبلاغ اليسار الرجعي بشكل واضح أنه سوف يدفع ثمن انتهاكه للمبادئ الديمقراطية الأساسية وعدم احترامه لحقوق الإنسان وحكم القانون.

إن التقاعس عن مواجهة مثل هذه التحديات لم يعد بالخيار الأمريكي الوارد. إذ إن الولايات المتحدة، بعيداً عن مناطق الاهتمام الخاص (مثل النفط، والأسلحة، والعصابات، والمخدرات)، تحتاج إلى أمريكا اللاتينية بشدة في هذه الأيام، نظراً للمقاومة التي باتت تلقاها في مختلف أنحاء العالم، وبقدر من العنف والحدة لم يسبق له مثيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. يتعين على رئيس الولايات المتحدة القادم أن يعيد النشاط إلى نوع من العلاقة قابل للتحول نحو الأفضل بشكل ملموس وللمرة الأولى منذ سياسة حُسن الجوار التي طبقها فرانكلين روزفلت منذ سبعة عقود من الزمان.

***

* جورج ج. كاستانيدا وزير خارجية المكسيك الأسبق (2000 - 2003)، وهو أستاذ جامعي متميز على مستوى العالم في العلوم السياسية ودراسات أمريكا اللاتينية بجامعة نيويورك.حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2008م. خاص بالجزيرة




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد