Al Jazirah NewsPaper Monday  29/09/2008 G Issue 13150
الأثنين 29 رمضان 1429   العدد  13150
كم أنا مدين لك يا عميد
حمد بن عمر الحسيني

لم أعتد أن أكتب أو أحاول الكتابة في جريدة يومية لأنني ليس لدي مقومات الكتابة، لولا أن الذكرى لرحيلك يا أخي أعادت ذاكرتي إلى ما قبل 43 سنة.. أدرت عجلة الزمن إلى الوراء.. استعرضت كل محطات وفصول الحياة معك.. عشت معك معظم عمري وبقربك.. بدأت حياتي معك يوم همست في أذن الوالد بأنك تريدني إكمال دراستي عندك في الرياض.. كنت قد أكملت الشهادة الابتدائية.. وفي بداية سن المراهقة انتقلت إلى الرياض في بيتك في حي أم سليم.. قبل موعد الدراسة أخذت بيدي وكنت أعرف أننا ذاهبون للتسجيل بالمدرسة المتوسطة الأولى بشارع العطايف.. أقمت معك في بيتك وكنت لي المعلم والأب والأخ والصديق.. كنت ترعانا وتهتم بشؤوننا وتتحمل متاعبنا وأعباءنا مع زوجتك الطاهرة (أم أحمد) استمرت حياتي في كنفك ورعايتك.. اتخذت من سلوكك وأسلوب حياتك لي نبراساً أفتخر به.. كنت أراك وقتها في أبهى مراحل عمرك، أراك شاباً يافعاً تمتلئ حيوية ونشاطا وإصرارا.. ارتسمت صورتك في أذهان الجميع بالعزيمة والمثابرة.. لك صولات وجولات مع أقرانك من أبناء العمومة والأصدقاء.. لم تهمل واجبا من واجبات الحياة العائلية والاجتماعية.. كنت شريكاً مع الكل في الرأي والعمل على الرغم من المعاناة التي كنت تعانيها للحصول على لقمة عيش تسد حاجتك وتكفي أهلك وإخوتك كل صباح وأن تركب دراجتك تجمع كتبك وأدواتك في الشبك الأمامي وتأخذني معك على الكرسي الخلفي إلى مدرستي وتذهب بعدها إلى محاضراتك في كلية الهندسة.. وكنت تعود بعد الظهر من الكلية للبيت بنفس الوسيلة.. تخلد للراحة قليلا.. وبعد تناول الغداء تتوكل على الله وتركب دراجتك وتذهب لعملك المسائي مدرساً بمدارس الحرس الملكي الليلية.. لم يكن الوقت الذي تقضيه في البيت بين الدراسة والعمل المسائي يكفي لراحة بدنك إلا أنك لا تنسى أن تسألني عن نفسي وعن دراستي وعمن أرافق.. تساعدني في الواجبات المدرسية.. احتويتني بعطفك ولطفك.. كنت تحب أن تراني مرتاحا وفي أحسن أحوالي.. تعودت منك إقبالا بعطف الكبير وابتسامة في عين صديق وحب صادق.. وجدت في كنفك حسن الرعاية والتوجيه.. كل ما أسمعه منك الدعاء لي بالهداية والتوفيق.. كنت تتفنن في إسعادي.. تحب أن تراني مميزا بين أقراني.. استمر اهتمامك بي طوال عيشنا معا.. وحتى بعد أصبحنا كبارا كان لي عندك مكانة خاصة.. كانت بيننا صداقة حقيقية.. تستودعني معظم أمورك وتعلم أموري كلها.. ركض الزمن ونحن نركض معه وتحسنت أحوالنا وكبرنا وكبر إخوتنا وأبناؤنا واستقل كل في بيت ولم نبتعد عن بعضنا إلا بمنازلنا فقط.. كنت لنا جميعا الأب الكبير والصديق.. زرعت فينا احترام الذات وكل ما تبقى من القيم الجميلة.

في الذكرى الأولى لرحيلك يا عميد لا يساورني أي حرج بأن يعرف الجميع أنني مدين لك بكل ما قدمت لي في حياتي وأن لك عليّ أفضالا كثيرة أنت وعميدتنا الفاضلة (أم أحمد) أطال الله في عمرها في طاعة الرحمن وجزاها الله عني خير الجزاء.. فقد كنت عميداً في نفسك وأهلك وعميدا في عملك ومجتمعك.. كما كنت عميداً في حبك لي ووفائك في دنياك.

غادرت دنيانا في 13-9-1428هـ وكان القدر أمضى من آمال كانت تدغدغ مشاعري ومشاعر أحبتك كلهم في أن نسعد بعودتك من مقر عملك في القصيم حيث لم يتبق إلا أشهر قليلة، لكن اختيار الله أبرك وعزائي بك في أبنائك وبناتك ووالدتهم.. كان بودي لو طال بنا العمر لأرد لو جزءا مما عليّ تجاهك لكن القدر حل.

إنني يا عميد أراك في أبنائك.. الكل يتحلى بالصفات الحميدة.. أثمرت فيهم زراعتك.. فيا أبا أحمد رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فسيح جناته.. لقد أتممت في دنياك دورك في هذه الحياة.. لقد كنت في عدد أيامك منصفاً عادلاً.. رحلت عنا ونحسبك على الله.. رحلت إلى ربك بصفحة ناصعة البياض.. رحلت ولم يتبق للوم مكان في سمعتك الطيبة.. بدأت نظيفاً ورحلت كذلك.. رحلت وكلك عطاء.. لقد نالني في كل أدوار حياتك نصيب وافر من جمائلك الكثيرة.

قد صار قبرك محل عنايتي من زياراتي المتكررة منذ أن ضم جسدك الطاهر.. أقيم عنده.. أصلي على روحك الطاهرة.. أعيد ما تناثر من حصواته.. أجمع حبات ترابه.. في هذه الذكرى والموقف ما أجمل أن يكون الإنسان ممتناً.. فلك مني أجمل الدعاء يا أبي وأستميحك عذراً أيها العميد أن تقبل ما تقدم لمسة وفاء لروحك الطاهرة.

اللهم إني استودعتك أخاً كان من أحن الناس على أهله.. وقدوة كان من أمثل الناس لقرائنه.. اللهم بما عمل من خير في دنياه.. فضاعف له الأجر أضعافاً مضاعفة.. واغفر له ما كان من خطأ أو آثام.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد