عندما بادر الجميع يرثونك بأقلامهم.. خيم الحزن على قلبي.. وتسابقت الدمعات للنزول على خدي.. كيف لقلمي أن لا يكتب عن من تركت لنا الديار خالية حزينة.. عن تلك الإنسانة التي كانت غنية عن الناس لكنها فقيرة إلى ربها.. بكل صفاء وبكل طهر وبكل صمت رهيب رحلت بيوم مبارك.. وبشهر كريم.. وبوقت فضيل..
نعم جدتي..
بيوم جمعة.. بشهر رمضان.. في صلاة الجمعة..
لا حرمك الله أجر من صلى وشيع ودعا لجثمانك
اللهم إنه قد أتتك والدتي تشهد لك بالوحدانية ولنبيك محمد بالرسالة.. أدت صلاتها وصامت فرضها وزكت مالها وحجت واعتمرت وفعلت ما أمرتها به.. اللهم إننا لا ندخل الجنة بأعمالنا ولكن برحمتك وودك وكرمك فتغمدها بواسع رحمتك التي وسعت كل شيء.. اللهم إنها كانت تكرم ضيفها وترحم مسكينها وتقبل يتيمها تعطي الفقير وتحن على الصغير.. وترحم الكبير اللهم لا تحرمها أجر ما فعلت فإنك تجازي بالحسنة عشر أمثالها.. اللهم إن المرض قد أنهك جسدها الطاهر إلا أنه لم ينسها حق زوجها فقد رعته حق الرعاية.. فاجعله كفارة لها وقربة إليك وأنسها همها برؤية وجهك الكريم.. اللهم وادخلها مدخلاً كريماً واغسلها بالماء والثلج والبرد اللهم واجعل قبرها روضة من رياض الجنة وأرها مقعدها من الجنة واجمعها بمن أحبت يا رب.. اللهم إنها قد ودعتنا وحلت عند من يملك خزائن السماوات والأرض فانعمها نعيماً من عندك.. فأنت الواحد الأحد الذي لا راحم لنا بعده هون حسابها ويمن كتابها كما أحسنت ختامها يا أرحم الراحمين.. حقاً.. حتى بآخر لحظات لقائي بها لازالت تلك الأم التي سكنت بقلب الصغير قبل الكبير.. اجتمعوا حول جثمانها كما اعتادت منهم اجتماعهم حولها بحياتها.. لن أصف ما قيل لي عن لحظات وداعك لأن القارئ سيشيب من هول ما كان.. فلحظات وداع المحب للحبيب صعبة ولحظات وداعك علينا كانت أصعب من الصعب نفسه.. القوي فينا فقد قوته أعني بذلك لن أقول ابنك الكبير بل سأقول أبا الجميع.. الذي اعتدت ان أراه بكل قوته إلا أن قوته قد انهارت منه تلك اللحظة.. لكن لن ألقي عليه ملامة يا قلب فكفاه إنه فقد فؤاد أمه وبسمتها التي كان يرى بها سعادته.. ومن يستطيع أن يرى ما تعجبت منه أشد العجب وهو رؤيتي لأبي عبدالله وأبي محمد.. ولم اعتد رؤية الحزن على محياهم إلا بهذه اللحظة التي لم يستطيعوا إلا أن يتمسكوا بآخر ما تمنته منهم.. وهو البر بأم خالد وكما قالت من أراد البر بي فليبر بأم خالد.. واعلنوها صريحة لحبيبة فؤاد جدتي بأنهم سيكونون لها ليس كأبنائها بل أبنائها حقاً.. ولن أحكي حال بناتك لأنك طالما امرتهن بالصبر وأنك على اتم الاستعداد للقاء المولى جل وعلا.. إلا أن نفوسهن أبت وداعك ودموعهن خرجت دون توقف وكل واحدة منهن كان يدور بداخل نفسها.. هل ترانا نستطيع العيش دون أم فتحت حضنها لنا أما أن اجتماعنا سيعلوه الحزن دائماً بفراقك.. لا نعلم؟.. أما أحفادك صغاراً كانوا أو كباراً فأنت على يقين بمن كان يتمنى أن يفديك بروحه دون ذهاب روحك.. إلا أن الحزن قد علاهم لأنهم لا يملكون لك سوى الدعاء لك بالجنة. جدتي.. لن ننسى ذلك الصوت الذي تترنم به آذاننا وهو لهج بالدعاء للقريب والبعيد.. من أبنائك وبناتك وأخواتك وإخوانك وزوجات أبنائك وأزواج بناتك وأحفادك وأحفادهم وجيرانك.. ومن أوصلك بدعوة ممن تكرم بزيارتك بمرضك أو بعافيتك.. آه ثم آه.. ثم آه جدتي ليتك تعودين.. وتجلسين وتحكين لي.. وتضحيك وعن كل الأشياء تسأليني.. فبرحيلك رحلت بعض مشاعري بلا عودة وانتهى الحنان في عالمي فمن يجيبني...؟.. كيف سأقضي هذا العيد دون أن أسمع صوتها أو أن أراها أو أن أقبل يدها.. ثم تلح علي بأخذ ما يسمى بالعيدية أبعد هذا؟؟.. سيكون لدي عيد دون من كان العيد بمحياها وتقبيل يدها؟.. أعدك جدتي رغم فقداني الشديد لك بني سأكون تلك الحفيدة التي تدعو لك فقد انقطعت بيني وبينك الأسباب ولم يبق إلا الدعاء فياربي اجمعني بها بالجنان إذ حال بيني وبينها التراب.. رحت كالحلم.. وسيظل لدي بالحلم لأني سافتقد حبك الذي لن يعوضه أي حب بالدنيا.. (حب جدتي).. بنهاية ما كتبته اردت أن أخبر كل من قرأ كتابتي هذه بأن جدتي تحب اجتماع أحبتها بحياتها كانت أو بمماتها فهلموا للاجتماع الذي لا فرقة بعده.. إلا اجتماع بدار كرامة عند رب كريم إن شاء سبحانه.. حفيدتك التي تنتظر اللقيا بك: حنان .