دعاني أخ كريم وصديق حميم إلى مناسبة خطبة كريمته وعقد قرانها، في ليلة مباركة من العشر الأواخر من رمضان 1429هـ، وكان قد سبقني بالحضور إخوة كرام، وتخلفت عن الموعد قليلاً، فكانت مناسبة جميلة في ليلة جميلة.
وفي مثل هذه المناسبات تكثر المجاملات القولية والفعلية، فضلاً عن المشاعر الصادقة التي تسودها، وهي جديرة بها.
وقد تمت المناسبة - ولله الحمد - في غاية من البساطة واليُسر، الذي ترتاح له النفس، ويطمئن القلب في عالم غلب عليه التعقيد، وانقلبت المفاهيم، فاستصغرت العظائم، واستعظمت الصغائر!
كل الأمور كانت سهلة ميسرة، في جو من الود والتفاهم بين أطراف المناسبة المباركة. وتمت تسمية المهر وعقد القران الذي سماه الله سبحانه العظيم في كتابه العظيم عظيماً: {وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}، وحليت القلوب بالمشاعر الطيبة قبل أن تذوق الأفواه الحلوى الطيبة.
في مناسبة مماثلة طلب والد الفتاة من أحد الحاضرين تلاوة آيات من سورة القصص، فما راعهم إلا والد الفتى معترضاً بصوت مرتفع، وقد مد يده تجاه القارئ: رجاء اقرأ من آيات سورة أخرى غير سورة القصص! إن ابني لا يستطيع رعي الأغنام عشر سنوات، ولا ثماني..!! فعلمنا أن الآيات المطلوب قراءتها هي قصة موسى عليه السلام عندما ورد ماء مدين والتقى الفتاتين ووالدهما الشيخ الكبير، فزوجه إحداهما على أن يرعى له غنمه ثماني سنوات أو عشراً!!
حكيت هذه الطرفة اللطيفة بينما كان الدخان المتصاعد من سجائر عدد من المدخنين دون توقف يحاصرني، ويكتم عليّ أنفاسي، إذ لم يخفف من وطأته فتح النافذة، ولا علامات الامتعاض على وجهي، ولم توقفه الهجمات التي قمت بها على صديقي الحميم الذي ما زال يعدني بتركه يوم السبت كلما اجتمعنا مساء الخميس في الجلسة البرية العائلية منذ سنوات! ويمر السبت بعد السبت.. فإذا صرنا في رجب أو شعبان تحول الوعد إلى رمضان، ولا يزال يعدني مواعيد عرقوب أخاه بيثرب!!
ثم تحولت إلى العريس فأمطرته رذاذاً خفيفاً بعد التهنئة والتبريك: إن عروستك يا عريس لا تدخن، وأنا متأكد أنها تحب ألا يدخن زوجها أيضاً، فهذه مناسبة لتقدم إليها هدية الإقلاع عن التدخين ضمن هداياك، حتى لا تشم منك رائحة كريهة بينما تفعمك بأبهى العطور قلباً وقالباً!!
أما الذي ناله مني الويل والثبور وعظائم الأمور فهو صديقي الذي فاجأني وهو يحاول شفط كل ما يقدر عليه من النيكوتين مجاملة!! أية مجاملة يا رجل؟ لماذا تجاملهم في التدخين، ولا تجاملني في عدم التدخين؟ لماذا لا يجامل المدخنون غيرهم بالامتناع عنه عندما يكونون معاً؟ حقاً إنها مجاملة غير جميلة.
وبقيت ألاحق صديقي المجامل أياماً دون مجاملة متذرعاً بأن صاحبة البيت أنكرت عليّ ما وجدت من رائحة الدخان على ملابسي ينفح من حولي كنافخ الكير، ويا زينك يا بصل.. يا توم! وحذرتني من الذهاب إلى المسجد به، وهددتني بمنعي من دخول قصرها إن عدت بمثله ثانية!
الرياض