Al Jazirah NewsPaper Thursday  09/10/2008 G Issue 13160
الخميس 10 شوال 1429   العدد  13160
هذه مقومات نجاح الداعية

قرأت ما نشرته (الجزيرة) المتألقة يوم الجمعة 21 شعبان 1429هـ في عددها 13112 في صفحة الرأي في مقال بعنوان (الدعوة.. كيف ومتى وأين؟) للأخ صالح بن سعيد الزهراني - وفقه الله -، وحيث إنني أحد دعاة وزارة الشؤون الإسلامية وأشرف على خمسة مكاتب دعوية فإنه يطيب لي أن أشكر الكاتب غاية الشكر على هذا النقد الهادف، والتوجيه الواضح لنا معاشر الدعاة. وحقيقة لقد انتفعت شخصياً من مقاله الذي قرأته عدة مرات؛ فله الشكر ثانية، والشكر موصول لجزيرة الخير، على ما تنشر من خير، ولقد استوقفني الكاتب عندما قال في معرض حديثه: (أخي الداعية إلى الله.. إذا كنت في الميدان فعليك أن تسأل نفسك: لمن توجه الدعوة..) إلى أن قال: (فلا تكن أخي الداعية عاصفة تسقط الأوراق، وتعصف بالأغصان...) إلخ. وأقول مشاركة مني لا استدراكاً:

الدعوة إلى الله عبادة عظيمة جليلة قال تعالى: {ادعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعلَمُ بِالمُهتَدِينَ} سورة النحل - الآية 125، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (بلغوا عني ولو آية). وللدعوة أسباب معينة على نجاح الداعية إلى الله - جل وعلا -؛ فلا يكون نجاح الداعية بشهرته أو بكثرة أتباعه، أو بقبول الناس له، أو بكثرة مصنفاته، أو جمال كلماته أو حُسن عباراته. وهذه بعض مقومات نجاح الداعية إلى الله - عز وجل -:

1) الإخلاص

لا توفيق للداعية مهما انتشرت كتبه وكثرت أشرطته وعرفه القاصي والداني، ولا فلاح ولا نجاح له إلا بالإخلاص؛ قال تعالى: {قُل إِنِّي أُمِرتُ أَن أَعبُدَ اللَّهَ مُخلِصًا لَّهُ الدِّينَ} يقول ربنا - تعالى - عن الداعية الكبير نوح - عليه الصلاة والسلام -: {وَيَا قَومِ لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ مَالاً...}.

2) التطبيق لما تقول وتدعو إليه

إن التطبيق أولاً سبب رئيسي من أسباب نجاح الداعية؛ لأن الداعية إذا علَّم الناس أن الصدقة مستحبة، وأن الصلاة أمرٌ واجبٌ، وأن بر الوالدين من الأمور المهمة وأن لزوم جماعة المسلمين أمرٌ حتمي على كل مسلم، ثم خالفه في واقعه؛ كان ذلك طريق فشله وإخفاقه. ولك أن تتأمل معي الداعية الكبير شعيب - عليه السلام - وأنه رسم منهجاً وبيّن طريقاً حينما قال لقومه، بل قال للأمة ولمن يقرأ هذه الآية: {وَمَا أُرِيدُ أَن أُخَالِفَكُم إِلَى مَا أَنهَاكُم عَنهُ}.

3) اللجوء إلى الله

إن من خطأ كثير من الدعاة اليوم الاعتماد الكلي على مقومات النجاح الحسية؛ فيسعى الداعية إلى طباعة الكتب والرسائل وإلى تحضير الدروس والمحاضرات وينسى ويتناسى اللجوء إلى الله ودعاءه أن يوفقه في دعوته.

4) التسلح بالعلم الشرعي

وهذا ما يغفل عنه كثير من الجماعات اليوم؛ فإن كثيراً من الجماعات اليوم التي دخلت في هذا المضمار ودخلته من أوسع أبوابه وقد نسيت وتناست السلاح المهم، وهو العامل الأقوى والأمضى الذي هو العلم.. إن كثيراً من الجماعات اليوم التي تظهر على الساحة وتنتسب إلى الدعوة قد شوهت صورة الدعوة إلى الله، شوهتها بأنها أخذت تدعو بلا علم، ولا فقه، ولا روية، ولا تأسيس، ولا أصل متين، فضلَّت في نفسها وأضلت غيرها. وهذا محمد - صلى الله عليه وسلم - وهو من هو - عليه الصلاة والسلام - يقول له ربه: {مَا كُنتَ تَدرِي مَا الكِتَابُ وَلَا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلنَاهُ نُورًا نَّهدِي بِهِ مَن نَّشَاء مِن عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّستَقِيمٍ}.

5) اعتزال مجالس البدعة والفسق والضلال

أفضل الدعاة إلى الله وهم الأنبياء والمرسلون - عليهم الصلاة والسلام - اعتزلوا أقوامهم؛ فانفتح لهم طريق النجاح والفلاح والسعادة؛ فهذا إبراهيم - عليه السلام - {فَلَمَّا اعتَزَلَهُم وَمَا يَعبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبنَا لَهُ إِسحَقَ وَيَعقُوبَ وَكُلًّا جَعَلنَا نَبِيًّا}.

6- البدء بالأهم

أن يرسم في دعوته منهجاً، سواء في دروس يقيمها أو محاضرات يطرحها أو كتب يكتبها، ولك أن تتأمل معي ما هو قريب منا دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب - رحمه الله -؛ فإن الشيخ نجح في دعوته، لا لأنه غني أو فصيح أو لأنه من قبيلة بني فلان أو لأن له أنصاراً وأعواناً، وإنما نجح لأنه أسس منهجاً ورسم طريقاً وبدأ بالأهم وهو توحيد الله؛ فألف هذا المصنف العظيم ثلاثة الأصول. إن الداعية الموفق الذي يبدأ دعوته بالأقربين منه بأسرته أولاً، ثم الوالدين والجيران.. الداعية الموفق الذي يحاول جهده أن يصلح الأخطاء بين أفراد أسرته، ثم ينتقل إلى جيرانه، إلى جماعة المسجد، إلى مَن يجلس معهم، سواء كان معلماً في مدرسته، أو موظفاً في القطاع الذي يعمل به، وهكذا (وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ).

7- بذل معظم الوقت في الدعوة إلى الله

فلو أننا جعلنا الدعوة عملاً لازماً من أعمال اليوم والليلة لوفقنا، ولست أقصد بالدعوة محاضرة أو كلمة، إنما تشمل الدعوة الزيارة والإهداء وغير ذلك، كما قال تعالى: (قُل هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ...).

8- عدم الاقتصار في دعوته على طبقة معينة

ومعنى هذا أنك تدعو الجميع؛ فهب أنك تسكن في حي من الأحياء يجاورك من هو أعجمي غير عربي من الوافدين أو يجاورك العامي أو أنصاف المتعلمين والمتعلم والصغير والكبير والذكر والأنثى؛ فمن الخطأ أن تخص الدعوة للشباب فقط، أو تخص المرأة أو الوجهاء والأمراء والأعيان، والأصل في هذا: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)، يقول ربنا تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَن جَاءهُ الأَعمَى، وَمَا يُدرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى}.

9- الوضوح في الدعوة

والوضوح هو أن يدعو إلى أمر واضح إلى كتاب الله وسنة رسوله؛ فلا يكون في دعوته غموض، أو طلاسم أو ألغاز، بل ينبغي أن تكون دعوته واضحة على منهج واضح.

10- عدم الالتفات إلى قلة أو كثرة الموافقين له

وكما في حديث ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (يأتي النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجل، والنبي وليس معه أحد...).

11- بذل السبل المتنوعة

إن انحصار الدعوة في محاضرة تُلقى أو خطبة تُسمع أو كتاب يُكتب أو مقال يُنشر لا شك أنها نظرة محدودة؛ فلا بد من بذل السبل كافة؛ فالنبي - عليه الصلاة والسلام - مثلاً، أرسل الوفود، وخطب، وحث، وتصدق، وجمع.

12- التهيؤ للعوائق

أن يتهيأ الداعية ويعلم أن هناك عوائق قد تكون في طريقه، وهذه سنة الله {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُم لَا يُفتَنُونَ}.

13- ضرورة التواضع مع المدعوين

لا بدَّ للداعية أن يتواضع مع مَن يدعو؛ لأنك قد وُفقت لإدراك شيء من العلم والفهم ما ليس عند ذلك المدعو؛ فلا بدَّ أن تتواضع في طرحك وأسلوبك وأن تختلط بالمدعوين، سواء أكانوا شباباً أم شيوخاً أم كانوا من الوافدين، وتتواضع معهم. يقول ربنا تعالى: {وَلاَ تَطرُدِ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ مَا عَلَيكَ مِن حِسَابِهِم مِّن شَيءٍ وَمَا مِن حِسَابِكَ عَلَيهِم مِّن شَيءٍ فَتَطرُدَهُم فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}. ومن الخطأ الذي يعيشه بعض الدعاة التركيز على أصحاب الفكر الهدام دون الفكر نفسه؛ فتجد بعضهم يضيع جل وقته في محاربة أصحاب الأفكار دون محاربة أفكارهم؛ فلا بدَّ من محاربة الأفكار الهدامة التي ترد - مثلاً - عن طريق القنوات الفضائية، وعن طريق الإذاعات، وعن طريق الصحف، ولا بدَّ من قتل الفكر نفسه.

14- الاعتراف بالخطأ

الذي يعمل لا بدَّ أن يخطئ، والداعية إلى الله لا بدَّ أن يواجه الجمهور، ويكتب رسائل، ويؤلف مؤلفات... إلخ، ولا بدَّ أن يقع في الخطأ، وآسف لبعض الدعاة أنه قد يخطئ ويناصح ثم لا يرجع فإن الاعتراف بالخطأ هو أول طريق نجاح الدعوة؛ فقد اعترف مَن هو أشرف منا قدراً وعلماً موسى - عليه الصلاة والسلام - قال: {فَعَلتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ}.

15- الشورى

من الخطأ أن نهون أو نستسهل أمر الدعوة؛ فإذا أردت أن تلقي محاضرة أو تطرح موضوعاً أو تكتب كتاباً أو غير ذلك، فمن الأسلم أن تستشير، وأكمل الناس عقلاً محمد - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك كان يستشير أصحابه في النوازل وفي القضايا التي تواجهه، كما قال تعالى: {وَشَاوِرهُم فِي الأَمرِ...}.. وإلى اللقاء.

فهد سليمان عبدالله التويجري - مدير الأوقاف والمساجد بمحافظة المجمعة


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد