Al Jazirah NewsPaper Saturday  25/10/2008 G Issue 13176
السبت 26 شوال 1429   العدد  13176
ذبح الطفولة!
رمضان جريدي العنزي

للتوّ قرأت خبراً حزيناً مفعماً بالأسى، يغافل الضمير ويطفئ الإنسانية ويخفي ملامح الفرح، تحولت عنده محاجر عيوني إلى سيل من الدمع الفياض وتحول صدري إلى أزيز وغليان قوي، وسكن في عقلي أنواع الغضب والعصبية واهتز جسمي اهتزازاً عنيفاً أصابني بالدوخة والدوار والخيبة

وضاعت عندي العبارة وتبلد الحرف وبرد الدم وتشنج الفكر وتلبسني التيه وتزملتني الإغماءة ودثرني الحزن العميق، نتيجة الانتحاب والبكاء على ذبح طفلة لها من السنوات خمس ربيعية يانعة تشبه الفراشات الملونة والطيور الجميلة والزهور ذات الروائح الزكية والأحلام الوردية (يا ويح قلبي) و(يا وجع نفسي) و(يا عذاب روحي) عذبها والدها (......) قبل أن تموت وتذهب روحها الطاهرة إلى بارئها راضية مرضية بالضرب والركل وأسواط الغضب الغليظة نتيجة فعل قاصر من طفلة قاصرة لا تعي ولا تدرك ولا تشعر كالكبار، ها هو القبر ينتظر أن يسجى في لحده جسمها النحيل المعذب والمعطوب بأصناف الكدمات والموجوع بألم الخيانة الأبوية، والله لو أعلم أن لا تصبح الجملة تهمة لي والكلمة جنحة والحرف مخالفة وأضمن أن حبل الأسئلة والتهم لا يلتف على رقبتي ويتحول حبل مشنقة لي لقلت في أبيها الذي لا يقال والذي لم يقل ولهجوته هجاءً فظاً غليظاً زلزالاً عنيفاً مدمراً يستأهله ويستحقه نتيجة جرمه البشع وفعله البغيض وأدوات الجريمة البعيدة كلياً عن معاني الأبوة الحانية والرحمة الإنسانية مهما كان وضعه النفسي والعصبي والهيكلي، لأنه بفعله هذا ترك بصمات العذاب وآثار القتل على ابنته (الأنثى) وذبحها وتركها جسداً صغيراً ميتاً وهو لا يعلم بأنه ارتدى أردية القتلة والحشاشين ومدمني القتل والهلاك ومخربي الأرض وزارعي الفتنة والفاشيين المتآمرين والجلادين والسفاحين، هذا (الدمية) الآدمية تحولت الألوان عنده إلى ألوان صاخبة وبدأ الفاصل بين العتمة والنور عنده خيطاً رفيعاً لا يمكن رؤيته بسهولة رقص خلالها فوق جسد ابنته حتى حصد روحها الضعيفة رافضاً ضعفها وتوسلاتها وصرخاتها وآهاتها ودموعها التي شقت عباب السماء وأزعجت وأرهبت آذان أخوانها الصغار وكسرت جدران البيت الصماء وحركت السقف وارتجت الأرض وحتى قطتها الأليفة (مائت) وسقطت لعبتها الوحيدة من هول الموقف وجل الحدث لكنه أبى وأصر واستكبر استكباراً إلا أن يرقص الرقصة الأخيرة على جسد ابنته النحيل لتتوقف بعدها الحياة لزهرة طاهرة بريئة طالما حلمت بإيقاع الحياة الجميلة والثوب الجميل و(المريول) المدرسي الجميل و(المرجوحة) الجميلة والصاحبات الجميلات والكتاب المدرسي الجميل والبحر الجميل والعصفور الجميل وعشب النباتات البرية الجميلة، إنني من خلال هذا الحدث الجلل والمصيبة العظيمة وهول الموقف وطامة الفعل ومن خلال تكرار هذه الأفعال من قبل (الرجال الكبار) تجاه الأطفال الصغار أطلب من هيئات حقوق الإنسان ودور الرعاية ووزارة الشئون الاجتماعية وهيئات المجتمع وأطيافه البشرية نساءً ورجالاً فتيات وشباباً علماء ومعلمين كتاباً وصحفيين ووعاظاً ومتحدثين تجاراً ومعدمين عاقلين ومراهقين أسوياء ومجانين أصحاء ومرضى ومن كل من له شأن وخاصية في حماية الإنسان أن يعي دوره ويفعل عقله وإستراتيجيته نحو تحرير الطفولة الصغيرة من عذابات الكبار الأشرار حتى لا تتكرر المأساة وينمو الجرح ويتسرب الصديد ويكبر الطغاة ويصغر الصغار ويتسع الذهول ويكبر مارد القتل والجريمة الذي يزرعه على أجساد الطفولة المعذبة الذبيحة هؤلاء الرجال (الأكباش) في لحظة هيجان غبية تخالطها رغبة غير سوية وحتى نحتفي بعالم طفولة صافٍ ونقي جميل وحالم خالٍ من الشوائب والمحن والعقول الصفراء والسحب السوداء الداكنة، ولكي نعيد للطفولة اعتبارها وحقوقها دون قتل ودماء أو موت بطيء أو تجاهل لهم أو عدم مبالاة لأن للتاريخ ضميراً حياً يؤطر المآثر والأفعال والعبر جلها ودقها بحرفية متناهية وجلية يضعها ويصنفها ويبقيها أو يلفظها في ذاكرة حية لا تنسى رغم الأزمنة والأوقات والأمكنة المتباعدة والمتفاوتة، رحم الله الطفلة الصغيرة وعزائي لكل الأطفال الصغار بموت زهرة صغيرة ماتت قبل أن تينع نتيجة فعل أسود حالك.



ranazi@umc.com.sa

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد