Al Jazirah NewsPaper Saturday  25/10/2008 G Issue 13176
السبت 26 شوال 1429   العدد  13176
الانهيار.. الأخطر!
مقبل السلمي

يستطيع الإنسان إذا ما توافرت له مقومات الحياة (بيولوجياً) أن يعيش مهما تغيرت وسائل الرفاهية أو تحسين العيش - كما تسمّى - التي تطورت بسرعة كبيرة جدا في القرنين الأخيرين، ففقدان وسائل النقل الحديثة أو وسائل الاتصال أو غيرها من إفرازات الثورة العلمية يعود بحياة الإنسان إلى القرون السابقة التي كانت تعاني فيها البشرية في كثير من مناحي الحياة.

في المقابل ومن البديهي فإن انعدام المقومات الأساسية كالغذاء والماء والهواء الصالح للتنفس يقضي على الحياة البشرية.

وعلى الرغم من أن الثورة العلمية الحديثة كما سبق وفرت الكثير من مقومات الرفاهية، إلا أنها بالوقت ذاته أسهمت بشكل كبير في استنزاف الموارد الطبيعية التي إلى جانب أنها تشكل عصب الحياة للإنسان فهي اللبنة الأساسية لأي اقتصاد عالمي كذلك, كما أسهمت هذه الثورة في ما يسمى أزمة المناخ العالمي التي أصبحت الدول الصناعية تواجه بسببها ضغوطاً كبيرة من قبل جمعيات البيئة.

وبما أن الأزمة المالية التي تتمثل في انهيار الأسواق المالية وبعض الاقتصاديات العالمية طغت على وسائل الإعلام، فإني وفي سياق الحديث عن الانهيارات سأتحدث عن انهيار من نوع آخر وهو انهيار الموارد الطبيعية، وعلى رأسها الماء الذي أصبح يشكل أزمة حقيقية في الكثير من مناطق العالم.

حيث يذكر البروفيسور السويسري فاكيرناغل وهو مكتشف المفهوم البيئي (طبعة القَدَم) أو (أثر القدم) (Footprint) أن البَشرية تستهلك الموارد الطبيعية بصورة أسرع على الدوام.

وفي الوقت الحالي، تُستخدم هذه الموارد بسرعة تزيد 30% على الوقت الذي تحتاجه هذه الموارد لتستطيع تجديد نفسها، كما يذكر ناغل أنه إن لم يتغير نهج العالم مع الموارد الطبيعية فإنه بحلول العام 2050م سيكون الاستهلاك قد نمى بمعدّل ضعفي طاقة الأرض البيولوجية.

وعليه فإن انحسار نشاط الاقتصاديات العالمية من شأنه أن يخفف ضغط الاستهلاك على الموارد الطبيعية، وبقدر ما تمتد هذه الأزمة العالمية، بقدر ما تجد هذه الموارد فرصة لالتقاط أنفاسها والعودة مجدداً في إنتاج ما يكفي لاستمرار الحياة على كوكب الأرض.

وبالمفاضلة بين انهيار الأسواق المالية والاقتصاديات العالمية وبين انهيار الموارد الطبيعية، فإن الدول الفقيرة وبلا شك تتمنى انهيار كل الاقتصاديات وخصوصاً الدول الصناعية إذ إن ليس لديها ما تخسره كما يقال، بل إن أزمة الغذاء التي تعاني منها هذه الدول قد تتقلص بما أن شح السيولة لدى الدول والأفراد سيتولد عنه انخفاض في معدلات التضخم وبالتالي ينعكس ذلك إيجاباً على الأسعار وفي مقدمتها أسعار الغذاء.

وبالتالي فإنني لو كنت في إحدى الدول الفقيرة (لا قدر الله) لرفعت يدي إلى السماء أن تبقى هذه الأزمة ما بقيت الطبقية الاقتصادية.

أما الطريف في الأمر فإن أحد الحلول التي اقترحها ناغل أن يكثر إنشاء المدن التي لا تستهلك طاقة نهائياً، وأتمنى أن لا يرى هذا الاقتراح النور قريباً.

كاتب اقتصادي ومحلل فني


Muqbel.sl@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد