Al Jazirah NewsPaper Monday  27/10/2008 G Issue 13178
الأثنين 28 شوال 1429   العدد  13178
بين قولين
الوناسة
عبدالحفيظ الشمري

المبالغة بالسرور أو (فلة الحجاج) أو (الوناسة) أو ما إلى تلك المترادفات التي تقرب بعيد الأمل في أن بقاءنا محاولين ما وسعتنا المحاولة أن نبتسم هي من قبيل المحاولات اليائسة، فحتى لو حاولنا أن نَهُشّ أو نَبُشَ في وجوه غيرنا من الأحباب والأصحاب أو أشباههم فلن نستطع فعل ذلك لأن الزمن بات لا يعبأ بهذه الممارسات العفوية.

فمع يقيننا أن من يكره السعادة، أو يمقت السرور هو في الأصل مصاب بداء ما، لا بد لنا أن نقر بأنه لم يعد هناك ما يبهج، فالحياة باتت تأتي على هيئة موشح حزين، يترنم فيه إنسان هذا العصر الذي ينغمس في ذروة هلعه من منغصات متفاقمة.

فالمبالغة في السرور ضرب من الهبل، و(الوناسة) باتت حكاية قديمة لم تعد مع الرعاة في الفلاة، ولم تصحب - كما كان قديماً - المزارعين حينما يذهبون إلى حقولهم أو مزارعهم، أو في أعماق آبارهم أو في أعالي نخيلهم، فقد تفصمت عرى العلاقة بيننا وبين الفرح، فهذه الخصلة الجميلة زهدة حتى في الأطفال وبراءاتهم، بل ضاق الناس فيها ذرعاً حتى باتوا ينظرون إلى (راعي الوناسة) أو (وسيع الصدر) بأنه (مسبك)؛ أي فقد العقل.

في المدن النائية، والقرى التي تعيش على الحياد هناك لم تعد فيها من الروح ما يعيد لها بهجة الحياة، فقد أدمن أهلها تقمص أدوار الحياة الجديدة والجامدة، إذ توشحوا الرزانة، وتقمص الجهامة، وإدمان ضيق الخاطر، فتجهم الملامح في المقابلة والتوجس: (من هذا الذي يرمي السلام.. ترى ما الذي يريده مني؟ يمكن يبيني أسلفه؟ يمكن يبي يعرف نوع احتياجاتي، وليه يسلم علي وأنا ما أسلم على أحد؟!!

وعلى هذا المنوال يهجس من حولنا في تردد مبعثه أن تحية السلام هذه (مهي لله) فيجب علينا محاربة وردع من يفكر حتى بإلقاء السلام، حتى السيدات المتعصرنات يركبهن ألف عفريت، وتستحضر صورة الشيطان بمن يلقي بالسلام بعفوية متناهية، أما وإن قال: (ماشي يا حلو وإلا وش هالحلاوة.. يا ربيع.. يا قمر) فلا بأس قد يكون المسكين غلطان وإلا ضعيّف وعلى هذا المنوال تتواثب جنونيات حياتنا التي لم تعد تعرف لها أي وجه لكثرة ما تلونت وتبهرجت وادعى الكثير منّا أنه صاحب حضارة، ونضارة لا تسمح له أن (يحتك) بمن حوله على نحو المودة العابرة، والمحبة العفوية، وتحية السلام العابر الذي يقوي علاقتنا ببعض دون أن يمس الخصوصية حسب ما يدعي مرضى هذا العصر.

(فلة الحجاج) و(الوناسة) و(وساعة الصدر) لا وجود لها هذه الأيام إلا فيما ندر، فقد نراها على هيئة تمثيليات ومشاهد في مسلسلات وشخصيات ساذجة في أفلام العرب والغرب، فالتظاهر بقوة الشخصية، وادعاء التميز والانغماس في التعالي هي التي تظهر اليوم، فلم تعد العفوية موجودة بكل عناصرها. فهناك من يرجع أسباب هذا الغياب للبساطة والسعادة والعفوية هي ما حل بحياتنا من تطور شكلي، وتهالك معنوي في الروابط، فغلاء المعيشة، وتخبطات التمدن، وادعاء الحضارة، واستحضار القشور وتغلغل المادة في حياتنا حتى إنك ترى أن الحياة باتت مجرد رقم في مبلغ من المال قد يزيد أو ينقص حسب ما تقتضيه أسواق المال وأرصدة البنوك، فقد لا يعبأ بأي إنسان لا بما لديه، ومن ينادي بمثل هذه القيم البسيطة قد لا يكون له أي قيمة في نظرنا اليوم.



Hrbda2000@hotmail.com
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5217 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد