Al Jazirah NewsPaper Monday  27/10/2008 G Issue 13178
الأثنين 28 شوال 1429   العدد  13178
مستقبل السياسة الأمريكية: (لابد من التغيير)
د. عبد العزيز بن عبد اللطيف آل الشيخ

من المعلوم وبناء على تجارب الأمم واستقراء التاريخ من قديم وحديث ومعاصر أن هنالك محدودية لما تحققه القوة العسكرية. وهنا سنتناول بطرح هادئ الموضوع في ضوء ما تناوله بعض الكتاب، سواء في هذه الصحيفة، أو غيرها من الصحف، ذلك ما شنته إدارة بوش من حرب أسمتها ..........

وتسميها بالحرب على الإرهاب. نبدأ بالمنطلقات التي تم تبنيها من قبل الإدارة المذكورة بعد الحادي عشر من سبتمبر، ومن ذلك منطلق وصف بأنه ذو نهاية مفتوحة (open-

endede war)، هذا من ناحية، كما عبر عنها لكونها حرب

الأجيال، أما الحجة التي تم التركيز عليها فكانت: (عدم تكرر حادثة سبتمبر) والاستراتيجية في خطوطها العريضة جداً، ومستقرة في عقول طاقم محدود من المستشارين فهي: (تجفيف مستنقعات وبؤر الإرهاب أينما كانت).

أما السياسة المتبعة في عهد الإدارة الأمريكية خلال سبع سنوات مضت، يمكن أن توصف بالتعالي أحياناً وبالغطرسة أحياناً وبالسذاجة أحياناً أخرى، ليس ضد العرب والمسلمين فقط ولكن ضد دول متعددة، وتعود جذور هذه السياسة لما بعد انحسار الحرب الباردة، ومنذ تولي ريجان السلطة في الثمانينات، ويمكن أن توصف تلكم السياسة باستراتيجية مبنية على منظور قريب، من ناحية، وعدم فهم لواقع العالم وتاريخ الدول بناء على عمقها التاريخي والحضاري والثقافي، من ناحية أخرى.

تولد شعور لدى الطاقم الإداري بتكوين القوة العسكرية المسيطرة المدربة والمحترفة، الفريدة من نوعها، كان الهدف في تكوينها دفاعياً. ومن المتفق عليه أن لكل دولة الحق في الدفاع عن مكتسباتها الحضارية، ولكن سرعان ما وجهت هذه القوة لتصفية حسابات على أراض تبعد عن موطن تلكم القوة بآلاف الكيلومترات، في الطرف الآخر من العالم.

وعلى الرغم من كل تلك القوة المدعومة بثقة في النفس لا متناهية، أثبتت التجارب في حرب فيتنام وأخيراً في أفغانستان والعراق أن القوة العسكرية تظل لها محدوديتها، وبالنسبة لأمريكا محدودية أكثر مما كان متصوراً، فالحربان الأخيرتان اللتان شنتا على بلدين ضعيفين أخذتا وقتاً وعتاداً وخسائر أكثر مما كان متوقعاً.

ولقد صرح قادة عسكريون بأن التركيز على القوة العسكرية فقط ليس أمراً مستداماً، أو لا يمكن أن يستمر بلا نهاية، أو أن يكون مستمراً خلال أجيال، كما كان يصرح بذلك. وهذه الفكرة مبنية على استراتيجية لا تفرق بين ما يراد وما يمكن تحقيقه.

فالولايات المتحدة تعيش منذ عدة عقود على أكثر من إمكاناتها سواء من حيث الطاقة والاقتراض، وبعبارة أخرى فأمريكا لديها (طموحات مفرطة)، وعليها ومن مصلحتها أن تعيش وتتعايش ضمن طاقتها.

ومن جانب آخر فلقد استغلت أحداث سبتمبر، وإلى الآن، فلقد أعطى المشرعون الأمريكيون صلاحيات عظيمة للرئيس، إلى درجة أن نعتت الرئاسة الحالية ب(الرئاسة الامبريالية) ونتج عن ذلك أن أصبحت السياسة العسكرية غير ديمقراطية هي الأخرى.

وثمة سياسات بديلة: (الاحتواء) مقابل (المواجهة) و(الوقاية) مقابل (العلاج) صحيح أن هاتين السياستين البديلتين تحتاجان إلى وقت، ولكن لهما من الإيجابيات الشيء الكثير، ولم تؤسس الأمم المتحدة بدأ إلا لمعالجة القضايا الجيوبولوتيكية والاقتصادية والاجتماعية لدول العالم. أما الحملات العسكرية فقد ولى زمانها، أو يجب أن يولي. ألم تكن حرب فيتنام التي خاضتها أمريكا، وخرجت منها مهزومة، تعتبر غلطة كبرى في حق الشعبين الأمريكي والفيتنامي؟

كان على الولايات المتحدة بعد الخروج من الحرب الباردة أن تبدأ علاقة طبيعية مبنية على فهم للعالم ودوله من النواحي التاريخية والثقافية والاجتماعية. لقد أجمع كل من فقد قريباً أو صديقاً في معظم الحروب أن أرواحاً راحت هدراً وعبثاً. والصمت بشأن هذه المآسي يعتبر تصرفاً غير مسؤول، يجب أن يعي الناس والأجيال بأن الحروب والنزاعات والمشاحنات بين المجتمعات لها آثار سلبية عظيمة تستمر أجيالاً بعد أجيال، وبدلاً من كل ذلك لابد من تفهم وجهة الآخرين والتعامل معهم بالحسنى وعدم اللجوء إلى القوة إلا بعد استنفاذ جميع الطرق والوسائل المؤدية إلى السلام والوئام بين الشعوب.

ولابد للدول، سيما الكبيرة منها والقوية، أن تحد من طموحاتها، وتوقف أطماعها. تدل التقارير أنه صرف على الحرب في العراق، حتى الآن 800 بليون دولاراً أمريكياً، ويمكن أن تصل التكاليف ما بين 2-3 تريليون دولار. فمن أين يؤتى بمثل هذه الأموال، من الإقراض طبعاً، وفي أي جيوب تنتهي هذه المبالغ المهولة، إذن لابد ثمة من تجار للحروب! وما الأزمة المالية المهولة، التي تشهدها الساحة الأميركية هذه الأيام ويتأثر بها العالم في أنحاء المعمورة، إلا من نتائج ما اتبع من مواجهات عسكرية غير متأنية.

وجاءت الانتخابات وتحاور المرشحان (الديمقراطي والجمهوري)، ولكن ويا للأسف، لا تزال الرؤيا غير واضحة بالنسبة للسياسة الخارجية والعلاقات الدولية، هنالك آراء، ولا يوجد رؤى للمدى البعيد، فكأنما عدنا إلى مربع واحد. فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب، هل أمريكا مسؤولة عن محاربة الإرهاب عالمياً؟ كل بلد يحارب الإرهاب بالتعاون مع البلدان الأخرى، لا خلاف على ذلك، أما أن يؤخذ ذريعة للاحتلال والتوسع والسيطرة، فلا. لن يكون في مقدور أمريكا ولا غيرها ولزمن مفتوح أن تكون مسؤولة عن القيام بهذا الحمل الثقيل. لا يزال التركيز في الحملة الانتخابية على أفغانستان والعراق، والمطلوب استراتيجيات أوسع وبتعاون دولي طويل الأمد، وإذا كانت النوايا صالحة فيستحق الهدف لصالح البشرية جمعاء. وثمة مسألة أخرى، لقد ربط بين الإرهاب وفئات معينة من الناس، دينية أو عرقية، وهنا خطأ فادح، إذ يمكن أن يأتي الإرهاب من أية فئة ومن أي مكان، من داخل الحدود ومن خارجها، ومن جنسيات ومن أعراق مختلفة. وبدلاً من ذلك يجب البحث عن دوافع وأسباب الإرهاب ومن ثم معالجتها بطرق موضوعية لا تعصب ولا تشنج ولا أهداف من ورائها، يجب أن يتم ذلك برؤية ثاقبة وبتعاون دولي.

والفرق بين متنافسين في التاريخ الانتخابي الأمريكي غير البعيد (في الثمانينات)، بين كارتر الديمقراطي وريجان الجمهوري (الذي فاز بالرئاسة)، هو الفرق بين من دعا إلى العيش والتخطيط ضمن الإمكانات والنظر إلى المستقبل وبين من جنح إلى العيش أكثر من إمكانياته وركز على الحاضر ولم ينظر إلى المستقبل، وكانت الأخيرة نظرة ريجان التي يمكن أن تنعت ب(التدليل الذاتي) التي رسمت مساراً سلكته الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض حتى وقتنا الحاضر.

من التجارب الفاشلة، التي مرت بها بعض الدول في العصر الحديث، تجارب كانت موجهة بأفكار أيديولوجية أو فاشية أو ديكتاتورية أو عدوانية. أما في وقتنا المعاصر ولأجيال سوف تأتي لابد من أن تتحول التوجهات والإستراتيجيات لتبنى على التعاون وتبادل الخبرات، ليكون هذا العالم الذي نعيشه وسيعيشه غيرنا في مستقبل الأجيال عالماً آمناً ونظيفاً. أما سياسة الاستهداف فكانت تجربة مخيبة لآمال مخططيها، ومن الحكمة أن يؤخذ دروساً من التجارب الفاشلة، كما أن من الحكمة كذلك الجنوح إلى سياسة الاحتواء للمشكلات بدلاً من سياسة المجابهة.

إن تخفيض وجود الولايات المتحدة عسكرياً في أجزاء متفرقة من العالم من الضرورة بمكان، إذ إن الوجود الحالي في حد ذاته يزيد في الفجوة القائمة بين أمريكا والشعوب في أنحاء العالم. فإن كان من رغبة صادقة للتقارب فلتقلل أمريكا من وجودها خارج حدودها ومياهها الإقليمية. سيتم التقارب بين دول وشعوب العالم المتطور مع بقية الدول بالتعاون الاقتصادي والعلمي وتبادل الخبرات والعمل على حل المعضلات التي يعاني منها الملايين من البشر في مجالات: البيئة والطاقة والغذاء وبذل الجهود لمحاربة الفقر والجهل والمرض.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد