Al Jazirah NewsPaper Tuesday  28/10/2008 G Issue 13179
الثلاثاء 29 شوال 1429   العدد  13179
كرسي الجزيرة في جامعة الإمام .. وأخلاقيات الإعلام الجديد
أ.د. محمد بن سعود البشر

جميل أن تتكامل مؤسستنا الصحفية مع المؤسسات العلمية والأكاديمية في تلمس احتياجات المجتمع واستشراف ما يمكن أن يعزز أثر الإعلام بوسائله المختلفة على حياة الأفراد وينعكس إيجابا على نماء المجتمع ورقيه وتعزيز قيمه وثقافته الدينية والوطنية.

وقد وُفقت مؤسسة الجزيرة الصحفية وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في اختيار عنوان لأحد برامج كراسي البحث العلمي في الجامعة وهو (كرسي صحيفة الجزيرة لدراسات الإعلام الجديد)، وهو اختيار يدرك أهمية المرحلة الإعلامية الراهنة ومعطياتها. فالإعلام الجديد New Media هو الإعلام الذي أصبح يصوغ عقول الجمهور، والناشئة منهم على وجه الخصوص. والشباب - من الجنسين - يتعاملون اليوم مع وسائل اتصالية رقمية الكترونية لا تخضع للإشراف أو المراقبة من أي جهة كانت، مجتمعية أو سياسية.

المتخصصون في هذا النوع من الإعلام يعتقدون أن هذه الفئة المهمة من المجتمع - شريحة الشباب - أصبحت تعيش حياة ثانية Second Life يتعرفون فيها على الواقع ويتعايشون معه داخل غرفهم الخاصة من خلال الوسائل الاتصالية الإلكترونية الحديثة، وهو ما يمثل هاجساً كبيراً لدى المتخصصين لمعرفة ما يمكن أن تحدثه هذه الوسائط الحديثة على حياتهم، وبالتالي تأثيراتها التراكمية والجمعية على المجتمع.

في ورشة العمل الأولى لبرنامج هذا الكرسي التي حضرها متخصصون من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وجامعة الملك سعود، وكلية الملك فهد الأمنية وأدارها الدكتور عبدالله الرفاعي، الأستاذ المشارك بقسم الإعلام في جامعة الإمام والإعلامي القدير ذو الخبرة العلمية والميدانية في المجال الصحفي، ناقش الحضور قضايا مهمة تستشرف عمل الكرسي وأولويات برامجه العلمية والتطبيقية. كان التركيز في هذه الورشة على ضرورة وضع خطة عمل استراتيجية يمكن قياسها زمنيا وتنفيذياً حتى يحقق برنامج الكرسي رسالته وأهدافه التي تأسس من أجلها ولخدمتها.

ولأن كرسي صحيفة الجزيرة لدراسات الإعلام الجديد الذي تحتضنه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لايزال في مراحل انطلاقته الأولى، ولشعوري بحماسة القائمين عليه وجديتهم في تفعيله فإني أقترح أن تكون من أهم أوليات برامجه أن يضطلع بمهمتين رئيستين:

الأولى: إجراء الدراسات العلمية الميدانية لمعرفة مضامين الإعلام الجديد الذي يتعرض له الجمهور، وأظن أن كثيراً منه مرتبط بأخلاقيات المهنة الإعلامية للناشئة من مضامين يدخل غالبها في دائرة (التأثير السلبي) على معارف الجمهور وسلوكياته. وفي مرحلة أخرى يمكن إجراء دراسات مماثلة للتعرف على الأثر الحقيقي لهذا المضمون على سلوك الناشئة الذي نلحظ ملامحه في حياتهم العامة.

إن قضية (أخلاقيات الإعلام الجديد) باتت اليوم تتصدر اهتمامات الساسة ورجال الأمن والمصلحين على حد سواء؛ وإن من الحكمة أن يبادر الكرسي إلى استكشاف ما يمكن أن يحدثه مضمون الإعلام الجديد على حياة الأفراد المتعرضين له، وبالتالي على المجتمع بأكمله.

المهمة الثانية: أن مثل هذه الدراسات كفيلة بأن تتوصل إلى نتائج عملية تضع المسؤولين عن الأمن الأخلاقي في المجتمع أمام الأرقام والحقائق والبراهين العلمية عن تأثير التعرض لمضامين الإعلام الجديد على سلامة المجتمع وأمنه وتماسك نسيجه الاجتماعي بما يضمن حصانة أفراده من تأثيراته السلبية ليكونوا أعضاء فاعلين مشاركين في بناء المجتمع وتنميته، ولا يتأتى هذا إلا بالتعاون مع الجهات المسؤولة، مثل وزارة الداخلية، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، ووزارة الثقافة والإعلام في إصدار قوانين وتشريعات (تقلل) من تأثير هذا النوع من الإعلام الجديد على الجمهور وأفراد المجتمع.

لا يعني ذلك - بالتأكيد - الدعوة إلى غلق الأبواب، وسد المنافذ، فهذا محال لا يقرّه واقع التعامل مع وسائل الإعلام الإلكترونية أو الرقمية، لكن الأخذ بقاعدة (ما لا يدرك جله لا يترك كله) يمكن أن تساعد المختصين على إيجاد بيئة سليمة للتعامل الحضاري الراقي مع هذه الوسائل الإعلامية الحديثة، ولن يتم ذلك إلا باستصدار القوانين والتشريعات التي تحدد الأطر العامة للتعامل الأمثل مع هذه الوسائل وفق ما تمليه ثقافة المجتمع وقيمه.

صحيح أنه من المؤمل أن يُعنى الكرسي بالقضايا العلمية والأكاديمية، كتحديد مفهوم الإعلام الجديد، واستخداماته، وترجمة ما يستجد في بابه مما تزخر به المصادر العلمية الأجنبية، لكن ذلك لا يمنع من ترتيب أوليات عمل الكرسي التي هي كبيرة وشاقة، لكنها سهلة وشائقة لمن يدرك أهمية القضايا والموضوعات ذات العلاقة برسالته وأهدافه، وهو الظن بالقائمين عليه والممولين له.

*أستاذ الإعلام السياسي بجامعة الإمام



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد