Al Jazirah NewsPaper Friday  07/11/2008 G Issue 13189
الجمعة 09 ذو القعدة 1429   العدد  13189
من رؤوس المسائل الخلافية في الحج 1-2
د. محمد بن سعد الشويعر

باعتبار موسم الحج تظلل المسلمين أيامه، فإن من المناسب أن يكون الموضوع اقتباساً من كتب الفقه، التي مرّت فيها مسائل خلافية، فقد اجتهد الشيخ الدكتور: عبدالملك بن دهيش، بهمّته ونشاطه، على تحقيق ونشر بعض الكتب المهمّة، ليضيف للمكتبة الفقهية أمراً مهماً في مجال الفقه، وخاصة الفقه الحنبلي، حيث سبق أن حقق كتاب: رؤوس المسائل في الخلاف، ى مذهب الإمام أحمد، تصنيف عبدالخالق بن عيسى الهاشمي (411-470هـ) فأصدر محققاً في جزأين عام 1422هـ كتابه، إلا أن ما جعله يتوسع في تحقيقه، توفر الكثير من الكتب الخطية...

عل ذات العلاقة بموضوع كتاب العُكبري، رؤوس المسائل الخلافية، الذي وجده كتاباً مهماً في فنه، حيث عزم على تحقيقه وإخراجه، فخرج في ثلاثة مجلدات، احتوت على (2281) مسألة خلافية، الطبعة الأولى عام 1422هـ، جاعلاً من ذلك الهدف: اتباع المنهج العلمي في إيراده لتلك المسائل، حيث كان يستدل للمسألة بما ورد في القرآن والسنة النبوية، وآثار الصحابة والتابعين عند الاحتجاج لذلك، (1 :2)، وزيادة على ذلك تزكية بعض العلماء بعد المؤلف: للمؤلف وكتابه هذا، ومكانته العلمية.

وقد تحدث المحقق عن علم الخلاف، وأسباب الاختلاف، عند الفقهاء، حيث حُصرت في سبع نقاط، كما أورد 48 اسماً من كتب علم الخلاف، منهم 6 يطلق على مؤلفها (العُكبري) (13-17).

وهذه الأهمية مع مكانة هذا العلم، رغبتني التحدث مع فرصة الحج، عن بعض المسائل الخلافية، في كتاب: أبي المواهب هذا (411-470). بقدر ما يسمح به الوقت والحيز، ليدرك القارئ دور المقولة: الاختلاف رحمة، وأن العلماء عندما يختلفون، فإن مع كل فرد دليله، فيما ذهب إليه، ومن ذلك المسألة (517) في شروط وجوب الحج: قال المؤلف من الشروط: وجوب الزاد والراحلة، خلافاً لمالك وداود الظاهري في قولهما: هي غير معتبرة، فمن قدر على المشي لزمه ذلك، ولم يقف وجوبه عندهما على زاد وراحلة.

فأما الزاد فلا يعتبر ملكه، وإنما يعتبر القدرة عليه، فإن كان ذا صنعة يمكنه الاكتساب بها لزمه، وإن لم يكن له صنعه كأن يحسن السؤال، وجرت عادته لزمه، دليلنا {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}(97)سورة آل عمران. قيل ما السبيل يا رسول الله؟ قال: الزاد والراحلة، ولأنها عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة، فكان من شروط وجوبها: زاد وراحلة، دليله الجهاد.

وقد جاء التوضيح في الحاشية: بأن الفقهاء اختلفوا في شرط: الزاد والراحلة، على قولين:

القول الأول: يشترط لوجوب الحج: الاستطاعة، وهي ملك الزاد والراحلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسّر الاستطاعة: بالزاد والراحلة، فوجب الرجوع إلى تفسيره في الجواب، عن السبيل فقال: الزاد والراحلة، ذهب إلى هذا الحنابلة والشافعية، (يراجع في هذا بتوسع: المغني 5: 8، والمهذب 2: 665، والمجموع 7: 50).

والقول الثاني: لا يشترط لوجوب الحج: الزاد والراحلة، فإن كان قادراً على المشي، وعادته السؤال: سؤال الناس، لزمه الحج، لأن هذه هي الاستطاعة في حقه، فهو كالواجد للزاد والراحلة، ذهب إلى هذا المالكية (1: 413).

المسألة: (521) في فسخ الحج إلى العمرة: يقول المؤلف: يجوز فسخ الحج إلى العمرة، إذا لم يسق الهدي واجباً كان أو تطوعاً، خلافاً لأكثرهم في قولهم: لا يجوز بكل حال.

ثم قال: دليلنا -يعني الحنابلة- ما روت عائشة رضي الله عنها، وجابر وأنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم (فسخ عليهم الحج، وتأسف على سوق الهدي، ولأنه فسخ حج إلى عمرة، فجاز كالفسخ الذي في وقت النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء في الهامش: هل يجوز فسخ الحج إلى العمرة، إذا لم يسق الهدي، أم لا يجوز؟. لقد حدث خلاف على قولين:

القول الأول: يجوز فسخ الحج إلى عمرة، سواء أكان الحج واجباً أم تطوعاً، بشرط ألا يكون سيق الهدى، لأن قلب الحج إلى عمرة: يجوز من غير سبب، ولأن العمرة لا ثبوت لوقتها، ذهب إلى هذا الحنابلة (المغنى 5: 521)، أما إذا كان معه هدي، فليس له أن يحل من إحرامه، الذي قصده فيه الحج بعقد النية، ويجعله عمرة، بلا خلاف نعلمه.

القول الثاني: لا يجوز له فسخ الحج إلى العمرة، لأن الحج أحد النسكين، فلم يجز فسخه، كالعمرة، ذهب إلى هذا كثير من الفقهاء (1: 416).

المسألة: 522 عن حكم الاستئجار في الحج، قال المؤلف: لا يجوز الاستئجار على الحج، ولا على الطاعات، مثل الإمامة والأذان وتعليم القرآن، وإنما تصح النيابة عن غيره، بنفقة يأخذها، فإن فضل منه شيء رده، خلافاً لمالك والشافعي، والدليل: أنها عبادة على البدن، فلا يجوز الاستئجار على فعلها، دليله الصلاة والصيام.

وجاء في الهامش هذه المسألة فيها بين الفقهاء خلاف:

القول الأول: لا تجوز الإجارة على عمل يختص فاعله، بأن يكون فاعله من أهل القربة، كالحج والأذان ونحوهما.

لأن من شرط صحة هذه الأفعال: كونها قربة لله تعالى، فلم يصح أخذ الأجرة عليها، كما لو استأجر قوماً يصلون خلفه الجمعة والتراويح، ذهب إلى هذا الحنابلة في الأصح، واستدلوا على ذلك، بما رواه عثمان بن العاص، قال: آخر ما عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن اتخذ مؤذناً، لا يأخذ على آذانه أجراً) قال الترمذي في جامعه، حديث حسن 9: 409. وبما رواه أبي بن كعب، أنه علّم رجلاً سورة من القرآن، فأهدى له قميصه أو ثوباً، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له (لو أنك لبستها أو أخذتها، ألبسك الله مكانها ثوباً من النار)، أخرجه بن ماجه في سننه 2: 730، باب الأجر على تعليم القرآن، وجاء في حلية العلماء ( 1: 470).

وتجوز النيابة في حج الفرض في موضعين: في حق الميت، وفي حق من لم يقدر على الثبوت على الراحلة، جاء في المستوعب: 1: 624 وفي جواز الاستئجار عن الحج روايتان: أحدهما: يجوز ذكرها أبو حفص البرمكي في مجموعه واختاره أبو إسحاق. والأخرى: لا يجوز كما في بقية الطاعات، مثل الإمامة والأذان وتعليم القرآن.

وقال الإمام أحمد رحمه الله: ما سمعنا أحداً استأجر في الحج عن ميت، (يراجع الكافي 1: 303، والمجموع 7: 102، ومغني المحتاج 1: 47، ورد المحتار 2: 228، وما بعدها، والفروع 3: 252).

القول الثاني: يجوز وهو قول: مالك والشافعي وابن المنذر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله). أخرجه البخاري في كتاب الإجارة، باب ما يعطى في الرقية، كما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الجعل على الرقية بكتاب الله وأجازهم صلى الله عليه وسلم في ذلك ولأنه يجوز أن يأخذ النفقة عليه، فجاز الاستئجار عليه، كبناء المساجد والقناطر ينظر المغني 23-24، (1: 417).

المسألة 526 عن التطيب قبل الإحرام، قال المؤلف: يستحب للمحرم أن يتطيب قبل إحرامه، خلافاً لمالك في قوله: يأثم.

ودليلنا: أهذا الطيب يراد للاستدامة، فإذا منع للإحرام بداية لم يمنع استدامته، وأصله: عقد النكاح.

وجاء التعليق في الهامش: اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين.

الأول: يستحب لمن أراد الإحرام بالحج، أن يتطيب قبل إحرامه، ذهب إلى ذلك جمهور الفقهاء، وقد استدلوا على ذلك بما قالته عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت).

قالت رضي الله عنها: (وكأني أنظر إلى وميض الطيب في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم). متفق عليه: ينظر صحيح البخاري 2: 168، وصحيح مسلم 2: 846، وسنن أبي داود 1: 405، والدارمي 2: 32، فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على استحباب الطيب، خصوصاً أن هذا الحديث قاله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فهو ناسخ لكل ما سبقه (يراجع المغني 5: 78 وما بعدها).

(للحديث صلة)

سدّ مأرب:

قال النويري في كتابه نهاية الأرب، لما أنزل الله الآيات في سورة سبأ قال رجل: يا رسول الله: وما سبأ؟ أرض أو امرأة؟ فقال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد له عشرة من العرب، فتفرقوا في أرض الله. أخرجه بطوله الترمذي وأبو داود.

وكانت أرض مأرب متصلة العمارة مسيرة ستة أشهر للراكب، وكانوا يقتبسون بعضهم من بعض النار. وكانت المرأة إذا أرادت أن تجني من ثمارها شيئاً، وضعت المكتل (الزنبيل) على رأسها، وخرجت تمشي بين الأشجار وهي تغزل وتعمل ما شاءت، فلا ترجع إلا وقد امتلأ المكتل، مما يتساقط من الثمار.

وكان أول من خرج من اليمن، بسبب سيل العرم، عمرو بن مُزَيقيا وسبب تسميته مُزيقيا، أنه كان يلبس في كل يوم حلّتين، ثم يمزقهما عشية نهاره، لئلا يلبسهما غيره، وكان هذا دأبه كل يوم.

وكان سبب خروجه من اليمن واطلاعه على خبر سيل العرم، قبل حدوثه دون غيره من الناس، أنه كان له امرأة كاهنة يقال لها طريفة الخير، وكانت قد رأت في منامها، أن سحابة غشيت أرضهم، فأرعدت وأبرقت، ثم أصعقت، فأحرقت كل ما وقعت عليه، ففزعت طريفة الخير لذلك فزعاً شديداً وأتت إلى زوجها هذا، وقالت ما رأيت اليوم أزال عني النوم، فقال لها: ما رأيت؟ فأخبرته برؤياها.. فسكنها وهون الأمر عليها.

ثم إن عمراً هذا بعد ذلك دخل حديقة له، ومعه جارية من جواريه، فبلغ ذلك امرأته طريفة، فخرجت إليه ومعها وصيفها سنان فلما برزت من بيتها: عرض لها ثلاث (مناجذ) ناصبات أرجلها واضعات أيديها على أعينها، قال: والمناجذ تشبه اليرابيع، وقعدت طريفة لما نظرتهن، ووضعت يديها مثلهن على عينيها، وقالت لغلامها: إذا ذهبت هذه المناجذ فأخبرني، إلى آخر ما جاء في هذه الحكاية فيما رأت، وكان آخرها دخولها الحديقة التي فيها زوجها، حين انتصف النهار، في ساعة شديدة الحر، فإذا الشجر يتكأكأ من غير ريح يعني (يتساقط) فلما رآها زوجها عمرو، استحى منها، وأمر الجارية بالتنحي ثم قال لها: ما أتى بك يا طريفة؟ فكهنت، وقالت: والنور والظلماء، والأرض والسماء، إن الشجر لهالك، وليعودن الماء كما كان في الزمن السالك. قال لها: ومن خبرك بهذا؟ قالت: أخبرني المناجيذ بسنين شدائد، يقطع فيها الولد الوالد، قال: فما تقولين؟ ففسرت له ما رأت قال فما ترين؟ قالت: والعلامة اذهب إلى السد، فإن رأيت جرذاً يحرك السد بيديه ويحفر، ويقلب برجليه مراجل الصخر، فاعلم أن الغمر غمر، وأن قد وقع الأمر، وهذا وعد من الله نزل، وباطل بطل، ونكال بنا نزل، فانطلق زوجها عمرو إلى السد.. فإذا الجرذ يقلب برجليه صخرة ما يقلبها خمسون رجلاً، فأخبرها فقالت: وعلامة ما ذكرت لك: أن تجلس فتأمر بزجاجة بين يديك، فإن الريح تملؤها لها من تراب الوادي.

(نهاية الأرب باختصار 10: 332 - 337).



لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 5068 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد