Al Jazirah NewsPaper Friday  07/11/2008 G Issue 13189
الجمعة 09 ذو القعدة 1429   العدد  13189
الحلقة الأولى
«الجزيرة» تخترق حاجز الصمت.. وتقرع الأجراس:
ضباط مكافحة المخدرات يكشفون بيئة الشر والحقد والانتقام

الجزيرة - سعود الشيباني

السموم القاتلة التي يروجها تجار الموت ليستدرجوا بها الشباب والمراهقين إلى ساحات الدمار لم تعد أضرارها عند الصحة والعقل والاقتصاد الوطني برغم أهمية كل منها وإنما تجاوزت ذلك لتصل إلى الشرف والفضيلة وتنال من كرامة الإنسان وبيئته وأسرته.. إذ اخترقت البيوت ووصل لهيبها إلى الأم.. والزوجة.. والأخت.. والابنة.. والابن.. وذلك بعدما سحقت الأخ والصديق بعجلات الإدمان أو اللاوعي والجنون وفقدان العقل والبصيرة.. بل فقدان الضمير.. والإنسانية.

إنها المخدرات.. من يدخل في عالمها بخطوة واحدة يصعب عليه الرجوع.. ومن يخطو في دربها خطوات يبحث عن رفيق وجد التيه والضلال.. ومن يدمن لا يمانع في أشياء كثيرة من أبرزها بيع الكرامة والشرف..!! وعرض الأخت والزوجة والابنة كل ذلك من أجل الحصول على هذه السموم المدمرة.. ولاسيما وان الملاحظ اليوم أن من يعمل في ترويج المخدرات والاتجار فيها لا يكون لديه ضمير يحاسبه وإنما هو ذو قلب متجرد من كل القيم الإنسانية حيث يصبح المال والحصول عليه أهم من حياة البشر.. وكل شيء يهون لديه في سبيل المال.. والكسب السريع.

الإرهاب والمخدرات

عالم المخدرات بجميع أنواعها عالم آخر عجيب لا مكان فيه إلى أي وجدانيات أو إنسانيات أو أخلاق أو مروءة.. أو وفاء.. هناك صلة وثيقة بين الإرهاب والمخدرات.. الرابطة قد تكون نشأت في موطن المخدرات العالمي الشهير، وكذلك وكر الإرهاب المعروف عالميا لكنها انتقلت إلى بقاع الأرض.. وقد سبق أن صرح رجل الأمن الأول صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية- حفظه الله- ان كثيراً ممن تم القبض عليهم من الإرهابيين كانت لهم ارتباطات مع تجار المخدرات.. وبالفعل يلمس المرء تلك الصلة بوضوح حينما يعلم ان الطرفين يفتكان بحياة النشء والأطفال بلا ضمير ولا وازع ديني وأن كلا الفريقين يعملان على حماية أفرادهم حتى ولو أدى ذلك إلى سحق الآخرين أو إزهاق الأرواح البريئة فهذه الصفة كما تتوفر لدى الإرهابيين فإنها تتوافر لدى تجار المخدرات وهم عصابات خطرة.. كما أعلن سموه في تصريح صحفي عن استشهاد (400) رجل أمن خلال تصديهم لعصابات ترويج وتهريب المخدرات.

(الجزيرة) وهي تعرض هذه القصص الواقعية والمشاهد المؤلمة تحتفظ بأسماء الذين استقتها منهم خاصة وهم مصادر ذات صلة بمكافحة المخدرات في مواقع عدة.

هذه القصص المدهشة والروايات المثيرة ربما لا يتصورها عقل.. بل قد يرى بعضهم أنها أقرب إلى ان تكون من نسج الخيال أو حوادث سينمائية، بينما هي حوادث شهدتها الأرض والإنسان وضبطتها المديرية العامة لمكافحة المخدرات وسجلتها القطاعات الحكومية ذات الصلة.. وأصبحت وثائق ثابتة في صفحات التاريخ..

في هذا التحقيق سأسرد لكم قصصاً مختصرة تمثل جزءاً يسيراً من واقع عالم الادمان والمخدرات وما يلحق ذوي المدمن من تلطيخ لشرفهم جراء ذلك، وهي تمثل روايات شخصيات عاشوا هول تلك المصائب ورأوا آثارها بوصفهم ممن يتعاملون مباشرة مع هذا العالم المجنون.. وكانوا في موقع الدفاع عن الوطن والمجتمع وحمايتهم من خطر السموم ممن عملوا في المكافحة أكثر من (15) سنة ميدانياً مع المروجين والمدمنين ومازالوا على رأس العمل.

رسالة طفولة بريئة

عالم الإدمان مليء بالمفارقات وزاخر بالعجائب والعظات كما أنه محفوف بالمخاطر من كل الجهات..

هذه قصة أحد مروجي الحشيش وهو أب لابنين أحدهما عمره (4) سنوات والآخر يصغره بقليل، هذا المروج أحد المعروفين لدى فرق مكافحة المخدرات، وكان مراقباً في جميع تحركاته وأثناء مداهمة منزله تم القبض عليه متلبساً بجريمته وخلال كتابة التقرير طلب المروج السماح له بتقبيل ابنه على اعتبار أنه ذاهب إلى السجن.. وعندما اقترب من ابنه لتقبيله والدمع يقطر من عينيه.. ما كان من الطفل الصغير البريء الذي لا يعرف عن الأمر شيئاً إلا أن أخذ القيد الذي سيوضع في قدمي أبيه وحاول أن يضع إحدى فتحاته في رجله والأخرى في قدم أبيه.. ليجمع القيد بين قدم الطفل وقدم أبيه.. هذا المشهد أثر على مشاعر رجال المكافحة وأذاب قلوبهم وجعل عيني والده تذرف المزيد من الدمع.. وفهم من تلك الرسالة البريئة أن جريرة الوالد كبلت طفولة هذا الصغير وحرمته كل حقوق الطفولة الواجبة على الأب.. وبعدها تحرك الأب برفقة رجال الأمن وقلبه يقطر ألما إذ ترك طفليه وأسرته وهم في أمس الحاجة له حيث حكم عليه وأودع السجن.

هذه واحدة من مآسي المخدرات ودنيا الإدمان إذ إن الذين ينشرون هذه السموم لا يهنئون بها أبداً ولا يستمتعون بها. فالشاعر يقول:

(والمال لا يذهب من أيدي الفتى

إلا من الباب الذي منه أتى)

فهؤلاء إما يموتون بسبب الادمان وإما أن يحاكموا وتصادر أموالهم القذرة، وإما أن يقضوا أعمارهم خلف القضبان..!!

ومن هؤلاء رجل مروج قبض عليه بعد مراقبة شديدة ودقيقة وهو متلبس بجريمته، وحكم عليه بالسجن وبعد أن أمضى سنتين ونصف خرج بمحكومية، وأصبح تحت المراقبة ثم وردت معلومات أنه غيّر منزله وانتقل لسكن في حي جديد في فيلا فاخرة وسيارات فارهة ويعيش في حياة مترفة كما اتضح أنه عاد للعمل في ترويج المخدرات مرة أخرى، وكانت زوجته سليطة اللسان وتعامل أبناءها بقسوة، ويبدو أنها تشجعه على هذا النشاط وأصيب أبناؤه الأربعة بحالات نفسية بسبب اتجار أبيهم في المخدرات حيث أقدم أحدهم على محاولة حرق نفسه بالنار، وأصبح الأبناء في وضع مأساوي، ثم تمت مداهمة المنزل الفاخر والقبض على المتهم وبحوزته كمية من حبوب الكبتاجون للترويج ولم يهنأ هو ولا أبناؤه المرضى، بالمنزل الذي اشتراه اخيراً من المال الحرام وقتل به أعداداً من أفراد المجتمع.

شارع المدمنين

في أحد مدن مملكتنا الغالية شارع تعارف على تسميته رجال المكافحة ب(شارع المدمنين) وذلك لاجتماع المدمنين الدائم به، وفي أحد الأيام قام رجال المكافحة بمسح الشارع اثناء أداء مهامهم الميدانية وشاهدوا أحد المدمنين الذي كان قد سجن أكثر من مرة يريد الشراء من أحد المروجين في الشارع وكان مروج الهيروين مراهقاً وسيماً لافتاً للنظر، وكان من أشد ما لفت انتباه رجال المكافحة انه في الوقت الذي كان يخرج فيه هذا الشاب من منزله، كان أحد العمال الأجانب من إحدى الجنسيات الوافدة المشهورين بالاتجار في المخدرات يدخل هذا المنزل ويبقى فيه لمدة ثم يخرج، أما الشاب فيبقى يبيع المخدرات لبعض المدمنين وأعين رجال المكافحة ترصده بدقة حتى تم القبض على مجموعة من الشباب الذين كان يبيع لهم هذا الشاب، وذات مرة عندما عاد الشاب إلى منزله داهم رجال المكافحة المنزل وقاموا بتفتيش الغرف ووجدوا أن الوافد الذي يدخل المنزل هو سائق ليموزين يقوم بهتك عرض أخت الشاب..

لقد كان المنظر بمثابة الفاجعة لكل أفراد القوة التي داهمت المنزل واتضح من التحقيق أولاً أن هذا الرجل يوفر المخدرات للشاب الوسيم مقابل هتك عرض أخته ونيل المتعة المحرمة..

وثانياً استخدام الشاب للترويج وبيع المخدرات.

الأمر المؤسف هو أن والد هذه البنت التي رضيت بالحرام مع هذا المروج الخطير كان قد وقع على ابنته التي هي الأخت الكبرى لهذه الفتاة تحت تأثير المخدرات الأمر الذي تسبب في انحرافها فهربت من المنزل وتطور الأمر حتى أصبحت ترضى بأن ينتهك عرضها انتقاماً من أبيها.. اما شقيقتها التي تم القبض عليها وعلى أخيها الشاب المروج فبعد خروجها من السجن بمحكومية تزوجت شخصاً مدمناً وتم القبض عليها مرة أخرى مع زوجها وبحوزتهما كمية من المخدرات.

وهكذا كانت نهاية هذه الأسرة بدءاً من الانحراف ومروراً بالسجن وانتهاء بالتفكك والتشرذم.. كل ذلك بسبب مخدر يتناوله الفرد وهو يظن انه متعة له في البداية غير أنه يبقى دمارا لصحته وسمعته وأسرته ومن قبل ذلك ضياع لدينه.. وعندما تتفكك الأسرة وتضيع فمن الذي يغار على الأعراض ولاسيما عندما يكون رب الأسرة قد غيب المخدر عقله ودمر أسرته.. إنها حياة في غاية المأساوية.

ومن القصص الواقعية التي سردها عدد من ضباط المديرية العامة لمكافحة المخدرات ل(الجزيرة) ان أحد الضباط عندما كان على رأس العمل يمارس جهوداً مضنية مع زملائه للقبض على مدمني المخدرات وتحويلهم للعلاج من الإدمان ومساعدتهم للعودة إلى حياتهم الطبيعية.

وحيث كان الامر يتطلب الانتقال إلى موقع آخر ضمن مهام عمله الميداني ويتقمص دور المدمن واجه حينئذ أحد كبار مروجي المخدرات فتفاهم معه بمصطلحات ولغة أهل المخدرات فرد عليه تاجر المخدرات بأن أحد الضباط (الله لا يوفقه) قام بالقبض على العشرات من زبائني.. وأرسل بعضهم إلى المستشفى وجئت إلى هنا هرباً منه، وأتحدى أن يعرف هذا المكان الجديد. فقال له الضابط أريد كمية من المخدرات وهذا المبلغ الذي تريد، وعند إحضار الكمية تم القبض عليه وبحوزته الهيروين فاندهش المروج وقال للضابط أكيد أنت الذي استطعت القبض على المدمنين.. وقدري ألا أبيع إلا عليك أنت بالذات.. فكانت مفاجأة له ان يبيع الممنوع لأحد الضباط المكلفين بمكافحة ترويج وتعاطي المخدرات.

ترويج ورشوة

من يبتلى بترويج هذه المادة المدمرة يسهل عليه ارتكاب أي من الجرائم الأخرى في ظل غياب العقل والضمير وانعدام الأخلاق فقد كان هناك شخص مطلوب في قضية مخدرات، وهو من كبار التجار، وكان متخفياً منذ مدة طويلة وفرق المكافحة تبحث عنه في كل مكان فوردت معلومة بأن هناك من يقوم بالترويج داخل مجمع سكني، وتمت مراقبة المبنى بدقة، وبعد التأكد من وجود الشخص المعني وبحوزته المخدرات ولديه عدد من المدمنين يريدون الشراء منه تمت مداهمة المنزل والقبض عليه.. وبكل وقاحة وبرود شديدين وضع (حقيبة) كانت بيده بداخلها كمية من المخدرات وقال لهم: من هو أكبر ضابط معكم؟ فقيل له هذا: فقال: أريد أن أتحدث إليك على انفراد.. وحرصاً على أي معلومة بهذا الخصوص.. انفرد به الضباط ليسمع منه.. فقال له: أنا على استعداد للتنازل عن هذا المبنى الذي أنتم به الآن (عمارة فاخرة) مقابل اطلاق سراحي وحينما لم يجد تجاوبا مع عرضه الحقير، قال سأدفع لكم مبلغ مليون ونصف المليون ريال أو أسجل المبنى باسمك وكان معه لحظة القبض (100) كيلو جرام من الحشيش المخدر، فسجلت عليه قضيتان هما الرشوة وترويج المخدرات.

وفي جولة أخرى وفي مكان آخر وفي لون آخر من ألوان الاهانة التي تضع المخدرات أصحابها فيها.. كان رجال المكافحة يراقبون منزلاً مشتبهاً بترويج صاحبه للمخدرات وبينما عيون الأمن ترقب الموقف توقفت سيارة بداخلها رجل وامرأة وتم التفاوض بين صاحب المنزل ومن بداخل السيارة ولما سئل صاحب السيارة عن سبب مجيئه بعد مداهمة المكان قال جئت اشتري من (فلان) وتم القبض على المروج وأثناء التحقيق ذكر صاحب المنزل ان المدمن الذي أتى بسيارته كان يعرض عليه زوجته مقابل إعطائه جرعة من الهيروين المخدر (فلا حول ولا قوة إلا بالله).

ساحة فداء

بينما أيدي المدمنين والمروجين الآثمة تتلوث بإفساد ودمار بعض المواطنين من مختلف الأعمار وبخاصة الشباب فإن هناك أيدي طاهرة تدافع عن الحق وتحارب الباطل إذ ينظرون إلى ميدان المكافحة على أنه ميدان فداء يجود فيه المرء بنفسه دفاعا عن أبناء هذه البلاد وشبابها.. ولعل من أمثلة ذلك الكثيرة ان ضابطا من أشهر الذين عملوا في مكافحة المخدرات واشتهر بالشجاعة حتى كان زملاؤه يكنونه ب(المدرسة) لأنه بالفعل كان مدرسة في الشجاعة والأخلاق والصدق والأمانة وفي أحد الأيام وردت معلومة بوجود مروجين ومدمنين في احدى الاستراحات لاحدى الحملات الأمنية المشتركة، وكان يدرك خطورة الموقف لعلمه المسبق بأن العصابات التي تختبئ في مثل هذه الأماكن تكون على قدر عال من الاحتياط والجاهزية والتسليح لكنه كان أكثر حرصاً على مداهمة تلك الاستراحة حيث بدأ اطلاق النار بين الجانبين لمدة ساعتين بعدها دخل رجال الأمن الاستراحة حتى وصلوا إلى المكان الذي يجلس فيه العصابة المسلحة وتفاوضوا معهم وكان زعيم المروجين يهدد الضابط بأنه سيقتله.. أما الضابط (المدرسة) فقد رد عليه بالقول: اما ان تقتلني أو أقتلك وليس هناك خيار ثالث!!

في هذه الأثناء تمكن أحد رجال الأمن من التحرك بطريقة ذكية والإمساك بالرشاش وتدافع مع التاجر المروج فخرجت طلقة من داخل الغرفة التي يستغلها أفراد العصابة وأصابت الضابط الشهير واستشهد على إثرها- رحمه الله- ثم تم إطلاق النار وقتل زعيمهم وتم القبض على بقية أفراد العصابة المروجة.. ولم تصدر من الضابط الشهيد الذي كان من أكثر الناس إخلاصاً في عمله أي كلمة غير عبارة (أنا أصبت يا شباب) وقد روى بعض من كانوا حاضرين ان الضابط حينما كان مسجى على الأرض كان كأنه نائم، فيما تحولت جثة زعيم عصابة المخدرات إلى رائحة نتنة للغاية هكذا تكون نهاية الباطل وتكون خاتمة من يسعى إلى محاربة الفساد وحماية المجتمع من مخاطر الدمار فالفرق كبير والبون شاسع بين الاثنين..!!

زوجات ثمن الجرعات

وقائع لا يقبلها العقل ولا تحصل حتى في عالم الخيال لكن تحت تأثير الإدمان ليس هناك أمر غريب.. ذات يوم توفرت معلومات بوجود مروج مخدرات في بيت أحد المدمنين وبعد التحقق من المعلومة تمت مداهمة المنزل وأثناء دخول رجال المكافحة لمنزل المدمن سمعوا استغاثة من امرأة وكان زوجها المدمن يحاول سحبها بالقوة إلى خارج المنزل وبعد القبض عليه. والتحقق في وضع المرأة قالت ان زوجها عرضها على المروج وأراد أن يجبرها على مضاجعته مقابل الحصول على المخدرات من الأجنبي (سائق ليموزين) فتم التحفظ على الجميع وإرسال المدمن إلى المستشفى للعلاج والمروج إلى المحكمة وانتهى به الأمر إلى السجن.




 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد