Al Jazirah NewsPaper Saturday  08/11/2008 G Issue 13190
السبت 10 ذو القعدة 1429   العدد  13190
باراك أوباما يسقط نظرية الـ(واسب)
د.علي بن شويل القرني

عادة تكون ليلة الانتخابات الأمريكية كل أربع سنوات في أول ثلاثاء من نوفمبر هي ليلة عالمية، وكأنها مباراة كرة قدم على كأس العالم.. أو كأنها حضور فيلم سينمائي يحتاج إلى مشروب غازي

(معروف لدى الجميع) إضافة إلى بوب كورن.. وهذه الليلة هي سهرة يشترك فيها - عادة جميع أفراد العائلة - من الصغار والكبار والنساء والرجال.. ليلة تتسم بالمتعة، ولكنها تتوشح بالقلق، وبخاصة على الصعيد الداخلي للولايات المتحدة الأمريكية..

ليلة الثلاثاء الماضي كاملة قضاها العالم يترقب من سيفوز في الانتخابات الأمريكية، هل مكين أم أوباما؟ ولا شك أن كل شخص وكل مسؤول وكل متابع لديه تفضيل معين في هذه الانتخابات.. ولكن نتيجة الانتخابات أسقطت نظرية (الواسب) wasp التي تعني أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن يكون أبيضاً من أصول إنجلوسكسونية ويدين بالبروتستنتاية.. (وقد كان الاستثناء الوحيد على صعيد الدين أن جون كيندي كان كاثوليكياً)، والاستثناء الآخر أن باركا أوباما لم يكن من البيض.. وهكذا دخلت نتائج الانتخابات الأمريكية يوم الثلاثاء الماضي التاريخ الأمريكي.. ولا شك أن قبول الأمريكيين لشخص كاثوليكي مثل كيندي يعد أمراً قد يتسم بالعادية رغم تاريخيته، ولكن قبول الأمريكيين بشخص من أصول إفريقية هو الاستثناء الكبير، وهو التغيير الهائل في العقلية الأمريكية..

وكما قال محللون في كثير من وسائل الإعلام العالمية، ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية، بل في أوروبا وروسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا والعالم العربي والإسلامي، فإن الانتخابات كانت انتخابات عالمية، بما ولّده باراك أوباما من اهتمام عالمي كبير في هذه الانتخابات..

وقد كان العالم ومعهم - نسبة كبيرة من الأمريكيين - يراهنون على أن العرق سيسقط أوباما في اللحظة الأخيرة، وكما أفادت دراسة من جامعة ستانفورد بأن (لون) أوباما سيكلفه 6% من نسبة الناخبين الأمريكيين.. ولكن استطاع باراك أوباما أن يدخل التاريخ، والفوز الحقيقي هو للشعب الأمريكي الذي استطاع أن يتغلب على (مارد العنصرية) الذي هيمن على شؤون حياته العامة والخاصة خلال العقود الماضية..

عندما كتب باراك أوباما وهو في سن دون العاشرة موضوعاً في مادة الإنشاء وهو يدرس في مدرسة بإندونيسيا - حيث كان يقيم مع والدته التي تزوجت زوجها الثاني - فقد كتب في هذه المادة الإنشائية أنه يريد أن يكون رئيساً للولايات المتحدة.. وقد تحقق له هذا الحلم الكبير يوم الثلاثاء الماضي.. وهذا الحلم هو الحلم الذي يتوق إليه الكثير من داخل المجتمع الأمريكي سواء من السود أو اللاتينيين أو من الشرق الأوسط أو من الآسيويين.. فكانوا يتمنون أن تتحطم الحواجز العرقية التي قد تقف أمام الحلم الأمريكي الموعود لكل من يأتي إلى أرض الولايات المتحدة الأمريكية..

مجيء باراك أوباما كان في وقته تماماً، حيث وصلت سمعة وصورة الولايات المتحدة إلى أدنى مستوياتها في كل مناطق العالم، وحتى داخل الولايات المتحدة، فقد وصلت شعبية الرئيس الحالي جورج بوش إلى أدنى مستوى وصل إليها رئيس أمريكي سابق، حسب استطلاعات الرأي العام الأمريكي.. وبالنظر خلال ما فعلته الإدارة الأمريكية الحالية بتوجيه وإملاء من اليمين المحافظ (المتشدد)، نجد أن الولايات المتحدة قد أجهضت على صورتها الخارجية، وأصبحت تمثل وجهاً غير محبوب - على أفضل تقدير، ووجهاً قبيحاً كما يراه الكثير في أوروبا وباقي مناطق العالم - وحتى داخل أوروبا الحليف الأقوى للولايات المتحدة هناك أصوات معادية للولايات المتحدة نتيجة السياسة الأمريكية في العالم..

وهكذا فإن مقدم باراك أوباما سيكون إيذاناً بتغيير الصورة السلبية عن الولايات المتحدة، حيث من المتوقع أن يطفئ الجبهات الساخنة في العالم التي بدأتها أو أهملتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وإيران وفلسطين وعلى الجبهتين الاقتصادية والاجتماعية..

إن أهم ما يميز البرنامج السياسي الذي وضعه باراك أوباما هو سياسية الدبلوماسية التي ستكون هي الأداة الرئيسة في التعامل مع قضايا ومشاكل العالم.. ولربما لن تكون الآلة العسكرية هي الأداة القادمة، كما فعل بوش مع مهندسي السياسة الخارجية من أصحاب العقيدة اليمينية مثل ديك تشيني وغيره من أصحاب الكراسي الخلفية، المدعومة بتقارير من مراكز الدراسات الاستراتيجية التي كانت تدفع إلى الحرب والقوة، كلغة لفرض الهيمنة الأمريكية..

وأخيراً، يجب أن لا نتوقع أن بيد باراك أوباما حلولاً سحرية لكل مشكلات العالم، بما فيها مشكلة الشرق الأوسط، ولكنه على أقل تقدير سيكون لديه رؤية جديدة تجاه مشاكل العالم، ونمط مختلف عن سياسة المواجهة التي كانت تهيمن على مفاتيح السياسة الخارجية الأمريكية.



المشرف على كرسي صحيفة (الجزيرة) للصحافة الدولية. أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود alkarni@ksu.edu.sa
لإبداء الرأي حول هذا المقال أرسل رسالة قصيرة SMS  تبدأ برقم الكاتب 6008 ثم إلى الكود 82244

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد